سخريات المناعة المعكوسة

عبد اللطيف الزبيدي
هل يمكن أن يُقرأ هذا العمود من عنوانه؟ في باطن السخرية ألف جدّ. سيطبّق القلم الطبّ على الحياة العربية لنرى العجائب. من راوده الشك في وجود عقل جمعيّ في الوطن الكبير فحسن ظنه بالأيام معجزة.
إذا لم يكن العقل العامّ يتلقى الأوامر ويقلبها في الأداء، فكيف نفسّر أن له مناعة ضد العدوى الإيجابية؟ الفرنسيون يقولون إن الضحك يُعدي. لكن الأنسب لأحوال العرب، هو قول شاعرنا (اليوم أيضاً المعرّي): «تثاءب عمرو إذ تثاءب خالدٌ.. بعدوى وما أعدتنيَ الثؤباءُ». كان ذلك قبل انقلاب العقل. ببساطة: كم نسبة البلدان العربية التي حققت تنمية ناجحة؟ مشين أن نذكر العدد. راجعوا الترتيب في القائمة العالمية بعد تناول قرص مهدّئ، ثم انظروا إلى العدوى السلبية وعدد الدول التي اكتسبت مناعة خارقة ضد التنمية والقوة الذاتية والتقدم العلمي وانعكاساته على تطوير الصناعة والزراعة وكل الميادين المنتجة. هنا نضع لمسة تغيير ضئيلة، لكنها تقلب بيت أبي العلاء، لنجريه على لسان الأمّة: «تثاءب عمرو إذ تثاءب خالدٌ.. بعدوى، وقد أعدتنيَ الثؤباءُ». «أهو ده اللي جرى…»، بل لا أحد يدري، حتى لو كان في مستوى عظمة وعي الجامعة العربية.
لا شيء يشرح لنا البعكوكة الملغّزة غير المناعة المكتسبة المقلوبة. هي اكتساب ولا ريب، معاذ الله أن تكون فطرة وجبلّة مجبولة، أو حلية معقولة مقبولة، لكنها أحبولة، مرذولة، وإن بدت أسبابها مجهولة. لم يعرف تاريخنا الحديث غير ألوان من النهضة التي يُسقطها الإجهاض من الداخل أو من الخارج. صحيح أن التنظير النهضويّ كان زاخراً غزيراً، وشهد أحياناً حماسة شعبية عربية عارمة شاملة، صاحبتها ملاحم ثقافية أدبية فنية أمواجها عالية. لكنها كانت دائماً تنتهي نهاية دراماتيكية: «يا فرحة ما تمّت». الأسباب غير خافية، كانت على الدوام متمثلة في عدم البناء العلميّ للتنمية، أي إقامة أرخبيل جزر تنموية غير متصلة، ما يحول دون تحقيق نمو شامل كالجسد الواحد.لا يمكن الفصل بين أعضاء البدن، بين التعليم والصحة، بين محو الأمية والصناعة، بين البحث العلميّ والاقتصاد، بين الفكر والفنون، بين قوة الشعب وحرياته إلخ. مجموع ذلك هو قوة الدفاع الأساسية، تدعمها القوات المسلحة.
إذا كانت السلطة بمثابة الدماغ الذي يصدر عنه القرار والأمر، فإن المشكلة في الأبواب العالية قطعاً. هي المسؤولة عن عدم اكتساب المناعة الإيجابية، والعمل بعكسها في كل المجالات. هي ذي علّة التخلف.
لزوم ما يلزم: النتيجة المناهجية: على التعليم إعادة برمجة الدماغ ليكون له أداء إيجابيّ.
abuzzabaed@gmail.com