شعر وفيزيا وكيميا

يوسف أبو لوز
ما العلاقة بين الشعر والرياضيات والفيزياء والطب؟؟ من حيث الرياضيات، فالوزن والتفعيلات تقوم على نظام علمي كامل، وفي أعماق النص الشعري أو في قيعانه ثمة دائماً ما يلتقي بالفيزياء والكيمياء.. وفي القيعان الشعرية لشعراء كبار هناك ما يشبه التشريح في علم الطب، عندما يشتغل الشاعر على قصيدته متماثلاً في هذا الاشتغال مع عمل الكيميائي الذي بوسعه أن يحوّل التراب إلى ذهب، كما يحوّل الشاعر اللغة إلى أصوات وماء.
عاش الشاعر التشيلي نيكانور بارا مئة وثلاثة أعوام(مواليد 1914)، وهو أستاذ فيزياء ورياضيات، وهو أيضاً صاحب مصطلح «الشعر المضاد».. أو «الشعر والشعر المضاد» مثل «الثورة والثورة المضادة»، وكان «بارا» قد عايش بابلو نيرودا.. مواطنه التشيلي، ولكنه كما يقول بحسب «أنطوان جوكي» «يبحث عن شعر يرتكز على أحداث وليس على تركيبات وصور أدبية».. وكان نيرودا شاعر صور أدبية، حصل على نوبل في العام 1971، بينما لم يحصل عليها «بارا» صاحب العقلية العالمية الرياضية بينما «نيرودا» ديبلوماسي وسياسي.
ما العلاقة بين الشعر والتخصصات العلمية؟؟.. سؤال يولد في إطار شروط المقارنة بين الأدب والعلم، ويولد أيضاً من خلال ما يمكن أن يُحَدّد في ظاهرة، ولم تُقرأ هذه الظاهرة جيداً، فالموسوعة الحرّة تخبرنا عن العديد من الأطباء والفيزيائيين أو العلميين كتبوا الشعر والبعض وصل إلى حدود الإبداعية الشعرية القصوى، والبعض ظل يراوح في مساحة ضيقة، وحظ قليل.
كان الطبيب والفيلسوف القرطبي «ابن الكتاني شاعراً»، والشاعر الهندي «ضياء الدين النخشبي» كان طبيباً، و«ظافر بن جابر السكري طبيب وشاعر، والإيطالي جيرولامو فراكاستورو، كما تخبرنا «الويكيبيديا» شاعر ورياضياتي وجغرافي .
من أشهر القصائد التي خرجت من حنجرة أم كلثوم بولادة شعرية موسيقية «قصيدة الأطلال» للشاعر المصري إبراهيم ناجي وهو طبيب، وأحمد زكي أبو شادي أحد مؤسسي مدرسة «أبولو» الأدبية شاعر وطبيب، والجزائري أحمد عروة طبيب وشاعر وكذلك السوري أحمد محمد كنعان = طبيب وشاعر = أما السياسي والديبلوماسي السوري عبد السلام العجيلي الذي كان يكتب القصة القصيرة وبرع في كتابتها فهو فوق ذلك شاعر وطبيب.
من يعد إلى موسوعات الطب والعلوم والرياضيات في الغرب والشرق إضافة إلى المصادر الأدبية والأكاديمية يعرف شعراء جاءوا إلى «غرفة الكتابة» من بوابة العيادة الطبية أو من بوابة المختبر العلمي، والجميل أن بعضهم كتب بشفافية وحساسية عاطفية عالية يقال إن الأطباء والعلميين عموماً لا تتوفر لهم، غير أن الشعر، كما يبدو، يروّض القلوب والعقول، ويحولها إلى بيوت للموسيقى.. والماء.
yabolouz@gmail.com