عازف الأوكورديون السياسي

خيري منصور
استخدم مصطلح «عازف الأوكورديون» سياسياً وعلى نحو مجازي للتعبير عن استراتيجية الاحتواء المزدوج، والتي كان هنري كيسنجر من أبرز منظريها، والمثال الذي جسد هذه الاستراتيجية باعتراف كيسنجر نفسه هو الابتزاز المزدوج للنظام العراقي السابق والأكراد، وحسب اعترافه فقد ضغطت الولايات المتحدة على نظام صدام حسين في سبعينات القرن الماضي؛ من أجل فك الاشتباك بعد حرب أكتوبر عام 1973.
وهناك من الكتّاب الأمريكيين من أسسوا لانتقادهم سياسة جورج بوش الابن على نظرية الاحتواء، التي قدمها أحد الاستراتيجيين في عهد الرئيس ترومان.
والحقيقة أن استراتيجية العزف السياسي بواسطة الأوكورديون غالباً ما انتهت إلى اعتصار الخاصرتين معاً، تماماً كما حدث للنظام العراقي والأكراد في سبعينات القرن العشرين!
والآن، تمارس الإدارة الأمريكية هذه السياسة؛ لكن بأساليب غير مباشرة؛ بحيث يجري استثمار الأزمات، واتخاذ موقف معلن يكون على المسافة ذاتها من كل الأطراف؛ وذلك تمهيداً للعزف المزدوج، الذي يخرج بحصيلة من الغنائم على طريقة المنشار، الذي يأكل جذع الشجرة صاعداً وهابطاً!
وهناك نمط من الأزمات لا يختلف عن المادة الخام، التي يجري استثمارها وتصنيعها من مناجم العالم الثالث، لهذا هناك متخصصون في هذا الفقه، الذي يسعى إلى اصطناع الأزمات في حالة عدم وجودها!
ورغم ما يبدو من اختلاف بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، خصوصاً ما جاء به ترامب من مفاجآت، إلا أن هناك ما يشبه الثوابت التي قد تبدو متحركة تبعاً للأساليب والأداء وتغيير الأقنعة.
وهناك استراتيجيون أمريكيون يكررون في مختلف المناسبات أن واشنطن بمقدورها حل أزمات كثيرة قبل أن تتفاقم وتوشك على الانفجار؛ لكنها تحاول قدر الإمكان استغلالها وإيهام الأطراف المتنازعة بأنها الحليف.
وقد مارست الولايات المتحدة هذا العزف سياسياً واقتصادياً لعدة عقود؛ لكن بإيقاعات مختلفة وأداء يراوح بين المخفي والمعلن تبعاً للظروف، ومن أهم الدوافع لممارسة هذا العزف جعل المصالح في رأس قائمة الأولويات.