مستوى الموسيقى والتسوية بالأرض

عبد اللطيف الزبيدي
هل نسينا الموسيقى؟ إذا كان الدافع الانشغال بالأوضاع الراهنة، فالمصيبة أعظم، لأننا عندئذ لا نعرف حتى ما هي الموسيقى، ولا ما هي قدرات الفنون والثقافة على صنع النهضة. ستكون النخب ضائعة تماماً.
الموسيقى هي في صميم الحرب والسلام، هي في جوهر نشوء القرار النهضويّ وارتقائه من القاعدة إلى القمّة. تناول القلم مراراً، أن أخطر تخلّف يعشّش في خلايا العالم العربيّ، وهم أن تنمية الشعوب ممكنة بتجزئتها إلى أرخبيل جزر. كأن تتخيّل مركبة ينطلق محرّكها منفرداً، وعجلاتها على حدة، ومقودها بمفرده، ومقاعدها في مسار آخر.
لا يمكن تصوّر النهضة الأوروبية من دون دور الموسيقى في فلورنسا الإيطالية، ومعها شجرة فنون متجاوبة. لقد بلغ هذا الفن الذرى في ألمانيا بفضل رؤى فكريّة وفلسفيّة، أوجها عند الفيلسوف هيجل وبعده نيتشه، وكان فاجنر متفلسفا. في فرنسا كان لجان جاك روسو، وقاموسه الموسيقيّ دور عظيم. لكن الجذور أعمق، فلدى اليونانيين لا تنفصل الموسيقى عن الرياضيات والفلسفة. هكذا كانت في الحضارة الإسلاميّة، فما الذي أصاب القوم حتى ألقوا ما فيهم وتخلّوا؟ سؤالٌ: من هم أهل الفكر والفلسفة في الموسيقى العربية اليوم؟ ومن هم العارفون بالموسيقى في أوساط الفكر والفلسفة؟ إن لم يكونوا كالغول والعنقاء فمن هم؟ كيف إذاً نريد أن ينعتق فنّنا من جحور الابتذال؟ لا مفرّ من النحو، فالموسيقى العربية لا محلّ لها من الإعراب، هي المستثنى والشاذّ والجملة الاعتراضيّة، وبلاغيّا هي الحشو والاستعارة والمجاز.
المعاهد الموسيقية غير فاعلة في نموّ الفن. مراكز البحوث في الموسيقولوجيا منعدمة أو نكرة.النظام العربيّ يريد قططا من خشب، تصطاد ولا تأكل، بينما الدراسات «ما توكّل عيش». المقامات العربية «فوضى غير خلاّقة»، اسأل الموسيقيين، إن كان من بينهم اثنان أو ثلاثة، يعرفون ما هي العلاقة بين مقاماتنا والنظام الذي يرتّبها وتنضوي تحته. هي أرخبيل جزر منفصلة آخر. دخول ميدان الموسيقى، المنحصر في الأغنية، وكالة بلا بوّاب، لا كلمات ولا ألحان ولا أصوات، إلاّ ما ندر، لأن الضوابط منفلتة. اكتشاف المواهب يحتاج إلى علم وتعليم ورعاية. لا نطمح إلى صوت تاريخيّ مثل المغنية ماريا كاري، التي تبلغ مساحة صوتها خمسة دواوين (أوكتاف) أي قرابة 35 درجة صوتية، معجزة. أهل «المغنى» لدينا 12 نوتة وتتمزق أوتارهم الصوتيّة، ومنهم من قشة ثماني نوتات تقصم ظهر حنجرته.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: يبدو أن الوسط الموسيقيّ فهم من المستوى أن تكون موسيقانا مسوّاة بالأرض لا بناء عليها.
abuzzabaed@gmail.com