مفارقات السطو على الانتماء

عبد اللطيف الزبيدي
بأيّ حقّ يحتكر اليهود الانتماء إلى الجذور الساميّة؟ إذا قبل الغرب، جهلاً أو شراكة في المؤامرة أو لأيّ سبب آخر، فلماذا يخنع الساميّون الآخرون ويخضعون لهذه الفرية الكبرى؟ من حيث الموضوعيّة الأكاديميّة، والمنهجيّة البحثيّة التحقيقيّة، لا تساوي هذه الأغلوطة الأحبولة، ورقة خريف في غابة الآمازون. هذا المبحث لا علاقة له بالمحرقة، التي هي واقعة بين الألمان بقيادة الرايخ الثالث واليهود الإشكناز، ولا صلة له باليهودية ومخطط احتلال فلسطين، ولا دخل لعدد الضحايا، سواء أكانوا مليوناً أم ستة أم ستين مليوناً. المحرقة موضوع يبحثه المؤرخون الذين يريدون التمحيص والتحقيق في وقائع الهولوكوست. هذه المسألة لا تشغلنا من قريب ولا من بعيد، فهي حادثة طارئة في الحرب العالمية الثانية. محورنا هو مجموعة من اللغات أصلها مشترك واحد، بالتالي نحن أمام دراسات تاريخيّة وأنثروبولوجيّة. ما شأن «معاداة الساميّة» كمصطلح في هذا الميدان؟ «معاداة الساميّة»، لغرض في نفس مخترعيها المفترين، لم تأتِ على صورة «معاداة الساميين»، وهي ممكن قبولها، ولو على سبيل المثال والمجاز، في معرض الحديث عن عداء الجنس الأصفر للساميّين. ما بُني على هذه المغالطة خروج عن المنطق السليم لغايات مشبوهة فاقعة، سمومها ناقعة، أباطيل التستّر عليها غير نافعة، لا تجد من الحجج شافعة.
بالمثال تفتضح الحال: هل تجوز في العقل مقارنة العبريّة بالآراميّة، حتى لا نُرمى بالتعصّب للعربية؟ نقصد اللغة كلسان حضاريّ عالميّ؟ لقد سادت الآراميّة (السريانيّة) من حدود الصين إلى تخوم أوروبا، مروراً بالهند وإيران وبلاد الحثّيين (تركيا اليوم) وكل جزيرة العرب، من القرن السادس قبل الميلاد إلى السابع بعده. كم هو وزن ميراث ثقافة اليهود قياساً على تراث الآراميين والعرب؟ هل تحدّث حتى مؤرخو التاريخ اليهوديّ، اليهود، عن معالم حضارة يهوديّة؟ هذه هي معادلات العائلة الساميّة، فبأيّ حقّ تشطب تواريخ الساميّين غير اليهود، لتصبح المعاداة قصراً عليهم، وحصراً فيهم، وقبول الكذبة نصراً لهم دون من سواهم؟ لماذا لا يرفع الغرب الديمقراطيّ دعيّ الدفاع عن الساميّة زوراً وبهتاناً، شعار «معاداة الساميّة»، عند تدمير العراق وسوريا؟ هل هؤلاء غثاء السيل وجُفاء الزبد، وفشّة المعلاق؟ ها هم الغاصبون ينقّبون في البلاد بحثاً عن طوبة قرية أو طينة هيكل، وهل من محيص؟ لهم علماء الآثار والمؤرخون وأحدث التقنيات والتقانات، يقولون لهم في كلّ مرّة: فغضّوا الطرف ليس بها دليل.. على أن اليهود لهم حضارةْ.
لزوم ما يلزم: النتيجة الأسفيّة: الآلة الإعلاميّة الماكرة، تذرّ رماد الخداع في أدمغتنا، فلا نرى أصل المغالطة.
abuzzabaed@gmail.com