مقالات اجتماعية

وهْم السّعادة!

د. أيمن بدر كريّم

كنتُ قد كتبتُ عن «السّعادة»، وتناولتها بشيءٍ من التفصيل في كتابي الأخير «نوستالجيا الفلسفة» تحت عنوانٍ فرعي: هل يُمكن الحصول على السعادة؟!. ولا أظنني توصّلتُ لإجابة شافية، نظرًا لتعقّد المفاهيم، وتعدّد الآراء والثقافات، والاضطرابات والأحوال، والعوامل التي تعرِض على الإنسان في مراحل مُختلفة من حياته.

يرى بعض المُنظِّرين، أنّ السّعادة قرارٌ شخصي ينبع من رغبةٍ أكيدةٍ للشخص في أن يكون سعيداً، وهذا الرأي يبدو لي ساذجاً للغاية! فالواقع المنظور يُشير إلى أنّ سعادة الإنسان مرتبطةٌ ببيئته الاجتماعية، وبمدى سعادة من يُجاورهم ويتواصلُ معهم، إذ من الواضح علمياً أن السّعادة تنتقل بالعدوى، وليس دقيقاً أنّ السّعادة قرار الفرد، فالإنسانُ أسير ظروفه الاجتماعية والبيئية والنفسية، وجيناته الوراثية، فوق ما يظن.

الناس تتسبّب في إثارة انفعالاتِنا الطيّبة والسّيئة؛ بحسْب نوعيّة اللقاءات التي تجمعنا بهم، أي بحسْب التلاقي والتنافر في الأفكار، والرّغبات، والشخصيات، والميول، والأخلاق، والسلوك.. فالتوافقُ الجيّد يُنتِج السّعادة، واختلالُ التوافق يُنتِج التعاسة.

إنّ المجتمع مسؤولٌ -بصورةٍ أو بأخرى- عن سعادة أفراده، وعلى الرّغم من أهميّة الرفاهية المادّية في الشعور بالبهجة والراحة، إلا أنّ السّعادة مرتبطةٌ بازدهار الناس في النواحي الأخلاقية، والفكرية، والأدبية، والفنّية، والإنسانية.

فالثراءُ الفكري والاستقرار النفسي وإحساس الفرد بقيمته الذاتية وأهمّيته في مجتمعه، ضرورة لشعوره بالسّعادة، وإرضاء وعيه بذاته ضمن مجموعات الناس. فالتركيزُ على سعادة المجتمع العام من الناحية الاقتصادية، تسبّب في شقاء كثير من الأفراد بشكلٍ شخصي، حيث ينصبُّ الاهتمامُ برفاهية المجتمع وتقويته من الناحية المادّية، وتهميش أهميّة حصول الفرد على نصيبه من الاستحقاق المعنوي والاطمئنان النفسي.

يبدو لي أنّ السّعادة تكمن في فنّ التخلّي والترك.. وليس الطّمع في التملّك والاستحواذ، وهي تنبع من التّوازن في احترام الشخص لذاته ولغيره، فلا يرضى على نفسه الضّيم والحرمان، ولا يسيء استغلال الآخرين في سبيل تحقيقه غاياته. يقول الحكيم (شوبنهاور): «إنّ الطمع في سعادةٍ خيالية هو الذي يُفسد كل شيءٍ على صاحبه في هذه الحياة، ولن يتخلّص منه إلا الرّاضي بما لديه»، كما يرى (برتراند راسل) أنّ «افتقاد الإنسان لبعض الأشياء التي يحتاجها، يُعدُّ جزءًا لا غنى عنه من السّعادة»، والمعنى في رأيي: السّعادة أمرٌ مستحيل.. تخلَّ عنها.. وستصبح سعيداً!.

نقلاً عن “المدينة

زر الذهاب إلى الأعلى