نساء طويلات وقصيرات
يوسف أبولوز
رواية «موت صغير» للكاتب السعودي الشاب محمد حسن علوان ليست الأولى القائمة في سياقها السردي على ما يطلق عليه اليوم «الرواية العرفانية» المبنية على شخصيات صوفية في التراث الفكري والفلسفي العربي؛ بل سبقها مادة أدبية شعرية ومسرحية استلهمت الحلاج وأبا حيان التوحيدي، والنفري وغيرهم من رموز التصوف الكبار مثل: «التبريزي» التي تقوم عليها رواية «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية «أليف شفق»، وكان جورجي زيدان قبل حوالي نصف قرن قد اتكأ على شخصية عبدالله الصغير آخر ملوك العرب في الأندلس في روايته «صقر قريش» وفي الأعمال الدرامية التلفزيونية كان صلاح الدين الأيوبي، وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد والحجاج وغيرهم من رموز وأبطال مؤثرين تاريخيين في الوجدان العربي.. قماشات أساسية لهذه الدرامات الماثلة في الذاكرة، وبالطبع كل درامي له معالجته الخاصة لمثل هذه الشخصيات، ومن زوايا عدة فكرية أو أيديولوجية أو ثقافية من دون غياب إسقاطات ماضي هذه الشخصيات على الحاضر السياسي بشكل خاص.
وقرأت، أمس، قصيدة لشاعر عربي جعل فيها سعاد حسني عنواناً للقصيدة ومتكأ «خفيفاً» للنص الذي جاء على طريقة قصيدة النثر ومنها «.. لا تنتظري أن أشبّهك بسعاد حسني التي تشبهينها فعلاً. أو بما شاهدته في واجهات المحال في وسط المدينة.. لكن صوتك يشبه عازفة القبور وهي تنادي تحت تل، فلم يستجب سكانه، ربما لأن قطعان الماعز الجبلي قد أكلت آذانهم وهم نائمون..!!».
وبصرف النظر عن هذه الماعز العجيبة التي تأكل آذان الناس، كما وبصرف النظر عن سماح الشاعر لنفسه بأن يشبه صوت حبيبته بعازفة قبور!! فإن سعاد حسني الناعمة، الساندريلا الشبيهة بالفراشة لو أنها على قيد الحياة، وقرأت هذه القصيدة فإنها لن ترتاح لخيال الشاعر وماعزه وقبوره.
ما علينا.. كانت سميرة توفيق في ستينات وسبعينات القرن العشرين «وجبة» يومية سماعية للفلاحين والمزارعين في أريافهم الفقيرة، وهم يعودون مساء إلى بيوتهم منهكين من عود الحراثة والرعي والحصاد، وكان صوت صاحبة «أول غمزة عين» بلسماً ليلياً لهؤلاء الغلابى، الذين لم يمنعهم فقرهم من سماع الأغاني، وهي أيضاً «سميرة توفيق» يمكن أن تكون قماشة رواية أو قماشة قصيدة مثلها مثل أي متصوف أو بطل؛ ولكن على طريقتها الخاصة.
أم كلثوم كانت مادة درامية تلفزيونية قبل سنوات، وفيروز يمكن أن تكون شخصية روائية، هيام يونس «.. تعلق قلبي طفلة عربية..» هي الأخرى تتماثل سيرة وحضوراً مع الشخصية الروائية أو الشعرية: أسمهان، صباح، ليلى مراد، لبنى عبدالعزيز، عليا التونسية، «جاري يا حمودة»، وردة الجزائرية، وغيرهن الكثيرات «الطويلات والقصيرات» نساء رواية، ونساء شعر.. بشرط ألّا يكنّ قطعان ماعز جبلي ولا عازفات قبور.
y.abulouz@gmail.com