مقالات عامة

لكل زمن «مقاولاته»

مارلين سلوم

ليست السينما وحدها التي تشهد مواسم من الهبوط الحاد، فالدراما أيضاً تصاب بهذا الاضطراب، والدليل أنك إذا حاولت إعادة شريط المسلسلات التي شاهدتها في رمضان مثلاً، فإنك بالكاد تتذكر أعمالاً تُعد على أصابع اليد، بينما الإنتاج كان بالعشرات.
ومع فتح مواسم جديدة للدراما بعيداً عن شهر رمضان، يكبر السؤال عن نوعية ما تنتجه الدراما المصرية، لاسيما مع وجود مواهب جديدة شابة في كل مجالات التأليف والإخراج والتمثيل، وحتى في الإنتاج، قادرة على تحمل المسؤولية، وتقديم ما يجذب المشاهدين، وما يرتقي بالفن بعيداً عن الاستخفاف و«المقاولات».
تلك الصفة التي تم إطلاقها في الثمانينات على نوعية الأفلام «التيك أواي» الهابطة، والتجارية المصنوعة على عجل بهدف البيع السريع، وبتكلفة إنتاجية قليلة، يمكن إطلاقها أيضاً على بعض المسلسلات التي تُعرض على الشاشات، ولا نجد فيها سوى التفاهة، أو الأفكار المكررة، والأداء الباهت.
لكل زمن «مقاولاته»، ولكل عمل سيئ من يتبرأ منه، ومن ينسب فشله إلى عوامل كثيرة، أولها يصب في خانة «الإنتاج»، فتنطلق معركة تبادل التهم بين أطراف فريق العمل كافة. فهل المنتج هو السيد المتحكم في كل شيء؟
المعروف أن من يضع الربح المادي على رأس أهدافه من الإنتاج الفني، فهو «يتاجر» بالفن، وفي سبيل ذلك يبحث عن الربح السريع، والمردود المادي الكثير، مقابل تكلفة إنتاجية لا تُذكر. لذلك يبحث عن اكتمال الهيكل الخارجي لمنظومة الدراما، من مؤلف ومخرج ومصورين وممثلين، من دون التعمق في ما يقدمه كل من هؤلاء. هنا تقع الكارثة، ويبدأ العد التنازلي برحلة الهبوط. فالمؤلف يكتب أي نص، ويستند إلى فكرة مكررة منذ عشرات السنين، وغالباً تعتمد على «الصراع بين الحب والمال»، وبين الخير والشر، وبين الغني والفقير.. وتدور عجلة التصوير، ويؤدي الممثل عمله بشكل روتيني بلا أي اجتهاد.. والنتيجة؟ مسلسلات تملأ الشاشات بلا طعم، ولا لون، ولا متعة، أو ذوق فني رفيع.
شركات الإنتاج المحترمة معروفة، تبحث دائماً عن عملية «توليد» الأفكار لتناول القضايا الحساسة، والمهمة، والعصرية، وتعرف جيداً أن سخاءها في الإنتاج سيعود عليها بالربح الوفير، والأهم أنه سيكتب لها النجاح والعمر الطويل، ولأعمالها الانتشار عربياً، والاستمرارية مع رغبة الجمهور في إعادة مشاهدة المسلسل أكثر من مرة، وبلا ملل.
إنه الذكاء في صناعة الدراما، ولا شك في أن الدولة مطالبة أيضاً بالعودة بقوة إلى الإنتاج، لتستعيد المسلسلات المصرية -التي كنا نسميها «عربية»- مكانتها، ولتستطيع ضخ كم من الأعمال المتميزة من حيث النوعية والجودة، ومن المؤكد أن الكل سيكون على أتم الاستعداد للتعاون مع هذا القطاع، وترك علامات فارقة في الأرشيف التلفزيوني.
marlynsalloum@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى