في هجاء السيارات

د. حسن مدن
خلصنا أمس، ونحن في سياق مديح المشي على الأرجل، إلى القول إننا بتنا عبيداً للسيارات. أكاد أسمع الاعتراضات على قولي هذا: «ماذا كنا سنفعل لولا السيارات؟!». اعتراض في محله تماماً، ما يُقال عن السيارات، سيقال عن كل اكتشاف حديث: ماذا كنا سنفعل لولا التلفزيون؟!، أو ماذا كنا سنفعل لولا الإنترنت؟!؛ لكن في غمرة «لولا» هذه علينا ألّا ننسى أن غالبية الأجيال البشرية عاشت دون هذا كله، بدون سيارات وبدون تلفزيون وبدون إنترنت وبدون كهرباء..؛ لكنها مع ذلك عاشت وأنشأت حضارات لا زلنا نحن، أبناء اليوم، حائرون في أمر التقنيات، التي استخدموها؛ لتشييد منجزاتها.
ولنا أن نسأل، ونحن نتفكر في هذا: كيف بنى الفراعنة الأهرامات، والمعابد الشاهقة في الأقصر وأسوان وسواهما؟، ومثلهم كيف شيّد الصينيون والهنود والأوربيون القدامى دور العبادة المبهرة والكاتدرائيات والجسور وغيرها من مبهرات صنعها الإنسان دون معونة من كل التقنيات التي نعرفها اليوم؟!.
بهذا المعنى نحن، أبناء اليوم، محظوظون بأن حياتنا أصبحت أسهل وأسرع وأكثر تنظيماً، والمسافات بين القارات والبلدان تدانت، فبات بوسعنا خلال ساعات معدودات أن نقطع المحيطات، وننتقل من قارة إلى أخرى مهما نأت عنا.
لكن هذه النِعَمْ، التي حظينا بها لا تحول دون تذمر إنسان اليوم من أنه بات فعلاً أسيراً لكل هذه التقنيات، التي توفر له كل ذلك. وهذا ما يعبر عنه أحد حملة «جائزة نوبل للآداب»، الفرنسي جان. ماري لوكليزيو ضمن حوارات أجريت معه حواها كتاب: «من أنت سيد لوكليزيو» المتاح بترجمة عربية، وضعها محمود عبدالغني، وأصدرتها «دار أزمنة» في الأردن.
أحد هذه الحوارات شمل هجاء للسيارات، في سياق حديث ممتع معه عن ولعه بالسفر والترحال. يرى الرجل أن محركات السيارات هي التي تسير، وفي هذا شيء غير إنساني. لكن لم يكن بوسعه إغفال النقد المحتمل، الذي أشرنا إليه في مطلع الحديث، فاستدرك: «لا يمكن أن نرضى على القول: أنا أكره السيارات»؛ لأنها تعد شيئاً قريباً جداً من الحياة اليومية للناس.
ما يحمله على الهجاء هو مقارنته السيارات بالخيول التي كانت، وهي تجر العربات، وسيلة نقل فيما مضى. لقد استبدل الإنسان بالحيوانات المدمرة التي اسمها السيارات الخيول. الحصان كائن نبيل؛ رغم أن الإنسان أساء معاملته، ولإظهار وجه من وجوه هذا النبل يشير الكاتب إلى أن الفرس الأصيل يمارس السباق، ولا وجه مقارنة بين سباق الخيول وسباق السيارات.
ليس هذا الاستدراك الوحيد من الرجل، الذي قال: «أحب السفر دون أن يوقفني أفق ما»؛ لأن محاوره سأله: «أليس هذا ما يمكن تحقيقه عبر السيارة؟»، فأجاب بنعم، خاصة بوجود أنظمة تكبح دواسة السرعة على الطرق السريعة، فتسير كل السيارات بنفس السرعة، «ما يشعرك بالحركة اللامتناهية».
madanbahrain@gmail.com