أرقام لبنانية صادمة

د.خليل حسين
ثمة أرقام لبنانية مخيفة تتصاعد بوتيرة مرعبة، في وقت لا رؤى فيه ولا سياسات محددة لمواجهة المخاطر المحدقة بالوضعين الاجتماعي والاقتصادي، والتي تعيدها معظم الدراسات إلى الوضع السياسي القائم، إضافة إلى مجموعة من الأسباب الموضوعية، التي تفعل فعلها في الأزمة القائمة أساساً.
فحوالي ثلث الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، وتؤكد دراسة البنك الدولي الأخيرة أن 32 بالمئة من اللبنانيين يعيشون بمعدل دولارين يومياً، وهو رقم فاضح، قياساً بمستوى المعيشة الذي يعتبر من أغلى دول الشرق الأوسط، وقياساً للدخول المتداولة في القطاعين الخاص والعام.
وبالمناسبة يعتبر لبنان من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، من بين الدول الأكثر قدرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية الاجتماعية، للعديد من الأسباب التي يبدو بعضها غريباً في المقاييس العلمية المعتادة، ورغم الأزمة الحالية، تبدو الأمور شبه عادية في وقت يتلهى اللبنانيون بمناكفات سياسية وأحياناً مذهبية، كادت أن تودي مؤخراً بالسلم الأهلي البارد الذي يعيشه لبنان حالياً.
ففي لغة الأرقام ذات الخلفية الدولية والمحلية، ارتفعت نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 32%. وثمة ستون بالمئة من هؤلاء في مناطق محددة كعكار والبقاع الشمالي؛ وذلك خلال تراجع النمو من 9% إلى صفر، ووصول الدين العام إلى 80 مليار دولار في بداية العام الحالي، فيما تتوقع بعض الدراسات ارتفاعه نهاية العام إلى 84 مليار دولار، وهو رقم في المقاييس الاقتصادية والمالية، يؤشر إلى عوامل انهيار كالحالة اليونانية مثلاً، حيث تجاوزت الديون الإنتاج القومي بمعدلات غير قابلة للمعالجة، دون إعادة بناء هيكلي لمجمل الواقع اللبناني، وهو أمر غير متوفر أساساً في الوقت الراهن، كل ذلك في ظل انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 45%.
ثمة ثمانون في المئة من المهاجرين اللبنانيين دون 35 عاماً، الأمر الذي يعني أن الهرم السكاني يزداد تدهوراً، بخروج الفئة الأكثر قدرة على العمل إلى الخارج، وهو نتاج طبيعي لأزمة البطالة بين خريجي الجامعات الذين يبلغون أربعون بالمئة. حيث ارتفعت البطالة من 11% إلى نحو 30%، ومن بينها 35% في صفوف الشباب. كما تسجل الأرقام أوضاعاً لافتة للنسب بين الذكور والإناث؛ إذ تبلغ 50% من الذكور، و30 في المئة من الإناث، يهاجرون خلال سنة من تخرجهم الجامعي.
وتبلغ نسبة الهوة بين التعليم وسوق العمل 48%، فيما تصل وظائف اللبنانيين من دون عقود عمل إلى نسبة خمسين بالمئة.
ولبنان يحتاج سنوياً إلى 35 ألف فرصة عمل، ولا يخلق منها سوى 12 ألفاً في أفضل الأحوال. في وقت ارتفع عجز المالية العامة من 5.7% من الناتج المحلي إلى أكثر من 8%. وتحوّل ميزان المدفوعات من فائض بقيمة 3.3 مليار دولار، إلى عجز يقارب 5.1 مليار دولار، في ظل تراجع القطاع السياحي نحو 37%، خصوصاً أن لبنان يتّكل على السياحة البرية التي تؤمن سنوياً دخول نصف مليون سائح، فهبط العدد إلى نحو الصفر، حيث تراجع عدد السياح العرب إلى نحو 59%، كما تراجع القطاع العقاري والبناء إلى نحو 30%.
علاوة على ذلك، فاقم النزوح السوري إلى لبنان هذه الأوضاع؛ إذ بلغ عدد العاملين السوريين الذين تفوق أعمارهم 15 سنة، أي في سن العمل، حوالي 930 ألف سوري (62% من النازحين)، ويعمل في قطاع البناء والبنى التحتية نحو 350 ألف عامل سوري.
وفي قطاع الزراعة نحو 404 آلاف عامل، حيث أصبح النازحون السوريون 40% من عديد الشعب اللبناني من دون احتساب الولادات. وتكشف الدراسات أن نسبة النمو السكاني بالنسبة إلى النازحين السوريين في لبنان، أكبر بكثير من نسبة النمو السكاني اللبناني، وتصل إلى الضعف، وهي قنبلة ديموغرافية موقوتة، تسبب تداعيات أمنية واقتصادية وتغييراً في البنية الديموغرافية اللبنانية، كما تسبب زيادة التكلفة المالية لتداعيات الأزمة السورية على الخدمات العامة من إنفاق صحي وتعليمي وما شابه، إلى أكثر من مليار دولار في ظل تراجع تقديمات الدول المانحة، وفي وقت ازدادت الخسائر التراكمية إلى نحو 21 مليار دولار.
في بداية ستينات القرن الماضي استدعت الحكومة اللبنانية بعثة اقتصادية سميت «بعثة ايرفرد»، عمدت إلى تفنيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي، في محاولة لبناء خطط اقتصادية تنموية، وبعد عمل مضنٍ توصلت اللجنة ببساطة إلى نتيجة مفادها: «ابقوا كما انتوا»، ولا زال اللبنانيون حتى الآن يتدبرون أمرهم بما اقتضى، وفي حسابات مالية واقتصادية بسيطة كما هو متعارف عليه، فإن الوضع اللبناني هو أكثر من ميؤوس منه، ورغم ذلك ما زال صامداً، ولا يعرف إلا الله عز وجل كيف ذلك!