الجبلي ذو الوجه الأحمر
يوسف أبو لوز
في العام 1986 زار الشاعر رسول حمزاتوف الإمارات، وقرأ شعراً في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وكان مقره آنذاك في شقة واقعة في إحدى العمارات أول شارع عبد الناصر في الشارقة، وأذكر أن من ترجم قصائده إلى العربية هو الشاعر الفلسطيني عبد الله البوريني الذي سبق له أن درس هندسة الطرق فيما كان يسمى الاتحاد السوفييتي، ومن حضر تلك الأمسية الاستثنائية فعلاً في أنشطة الاتحاد يتذكر الصوت الجبلي لحمزاتوف الجبلي أصلاً هو الذي صب عبقريته الشعرية واللغوية في كتابه الذي لا ينسى «داغستان بلدي».
في «داغستان بلدي» = الكتاب المتعدد الطبعات والعابر للقارات والقراءات = سوّى حمزاتوف معماراً مركباً من الشعر والنثر والسرد والحوار والحكمة والحكايات.. نسيج مبهر وكتابة جارية تحت الحجارة والغيوم ووسائد النوم:.. يقول في «داغستان بلدي»:
– الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام، وإلى ستين عاماً ليتعلم الصمت.
– شيئان في هذه الحياة يستحقان الصراع: وطن حنون، وامرأة رائعة.
– عندما تستيقظ من نومك، فلا تقفز من سريرك كأن أحداً عضك، فكر قبل كل شيء بما حلمت به في نومك.
– اكتب عما تعرف وتستطيع، أما ما لا تعرفه فاقرأه في كتب غيرك.
كان رسول حمزاتوف يكتب عما يعرفه.. كان يعرف بلده داغستان حجراً حجراً، حصاناً حصاناً، شاعراً شاعراً، يعرف عش العصفور كما يعرف حزن الصفصاف كما يعرف حنو الغيوم على الأطفال والعشب والينابيع، لذلك، قرأ الشعراء والروائيون والقصاصون العرب كتابه «داغستان بلدي» لكن أحداً منهم لم يجرؤ حتى على تقليده، وقبل ذلك، لم يستطع كاتب روسي واحد أن يتجاوز «داغستان ولا أن يتجاوز حمزاتوف».
أحب رسول حمزاتوف الكتّاب الذين حضروا أمسيته في الشارقة. أحب شغفهم بشعره ونثره وحضوره الشخصي الفلاحي بوجهه الأحمر وجسده المكتنز المشدود وشعره الثلجي اللون، وكانت مودته وألفته تجاه المكان تنعكسان في ملامح وجهه وصوته.
هل يوجد الآن هذا الأرشيف الفوتوغرافي في خزانات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات؟.. وما أغناه وأخصبه من أرشيف إذا كان محافَظاً عليه منذ الثمانينات وحتى اليوم.. فقد دخل باب الاتحاد مئات الكتاب من العالم.. ومثل رسول حمزاتوف كل واحد منهم كان يكتب عما يعرف ويستطيع.. والبعض منهم أيضاً لم يتعلم الصمت حتى بعد الستين..