العائدون من جحيم الحرب

صادق ناشر
الأرقام التي أعلنها رئيس اللجنة العليا لإغاثة وإيواء النازحين، وزير الهجرة والمهجرين العراقي، جاسم الجاف بشأن عدد المواطنين، الذين عادوا إلى مدنهم ومنازلهم التي أرغموا على الخروج منها أثناء الحرب التي دارت في مختلف مناطق البلاد ضد تنظيم «داعش»، كانت مرعبة ومخيفة، فقد أشار الجاف إلى أن مليونين و500 ألف نازح عادوا إلى مناطقهم المحررة في البلاد وأعادوا معهم جزءاً من عذابات لن تنتهي بمجرد العودة إلى الديار، بل سيحملونها معهم لعقود طويلة.
كانت قضية النازحين واحدة من أكثر تداعيات الحرب التي دارت على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات، وفي عملية النزوح هذه، التي اضطر إليها الأهالي، فقدوا الآلاف من أحبائهم، فضلاً عن خسارة ممتلكاتهم التي تركوها خلفهم للنجاة بأنفسهم وإنقاذ أطفالهم، الذين عاشوا الحرمان من المأكل والمشرب وغياب الخدمات الضرورية.
صحيح أن عمليات العودة مستمرة بوتيرة عالية، خاصة في محافظتي الأنبار ونينوى، بحسب تصريحات الوزير العراقي، إلاّ أن العدد الكبير للنازحين من مختلف المناطق يكشف حجم الحرب التي شهدتها البلاد، والمأساة التي خلفتها، حيث دفع المواطنون البسطاء لا غيرهم ثمنها، إضافة إلى مقدرات البلد العسكرية والمالية، التي استنزفتها في الحرب.
من الواضح أن معالجات قضية النازحين من جراء الحرب في العراق لن تكون سهلة، فقد بدت الحكومة مرتبكة وغير قادرة في الأسابيع الأولى من انتهاء الحرب، على اتخاذ إجراءات فورية تمكن الناس من العودة إلى ديارهم، خاصة أن حجم النزوح من المناطق التي اكتوت بجحيم الصراع، كان كبيراً، خاصة في المناطق الكبيرة التي شهدت المعارك الشرسة بين قوات الجيش والفصائل الموالية لها ضد الإرهابيين، فملف النازحين والعائدين اعتبر واحداً من التحديات التي وضعت أمام الحكومة العراقية بعد التخلص من نفوذ تنظيم «داعش»، الذي تمكن خلال بقائه في المناطق التي سيطر عليها من العبث بمقدرات البلاد بعدما أعمل في هذه المناطق تدميراً وتنكيلاً دفعت بالناس إلى النزوح من قراهم، بعدما تعرضوا لإجراءات قمعية من قبل التنظيم المتطرف، سواء استغلال الشباب في الحرب ضد الجيش أو من حيث نهب ممتلكات الناس وتسخيرها للمجهود الحربي.
ما الذي يمكن أن تقدمه الحكومة العراقية لمعالجة أوضاع النازحين؟، من المؤكد أنه لا يكفي أن تؤمن الجهات المعنية عودة الناس إلى مدنهم وقراهم، بل الأهم يكمن في إعادة دمج النازحين في مجتمعاتهم من جديد، بعد أن فقدوا كل ما كان لديهم، وإعادة الدمج لا تتمثل فقط في فتح الطرق وتأمينها لعودة الناس إلى مدنهم، بل وفي تعويض الناس بالإمكانات التي من شأنها أن تعيد للنازحين القدرة على العودة إلى المجتمعات التي نزحوا منها، مثل إعادة بناء المنازل التي دمرت ومنح الأموال اللازمة لفتح مشاريع خاصة بهم، والأهم هو إعادة تأهيل البنية التحتية التي جرى تدميرها بشكل ممنهج من قبل عناصر تنظيم «داعش»، فهذه الإجراءات كفيلة بترميم ما تركته الحرب من تصدعات في الأبنية والنفوس معاً.
sadeqnasher8@gmail.com