العالم والعقدة النووية

مفتاح شعيب
لن تتوقف بسرعة ردود الفعل الدولية على الاستراتيجية النووية الجديدة للولايات المتحدة التي تم الإعلان عنها مشفوعة بمبررات وذرائع مختلفة. وبينما تقول واشنطن إن هدفها هو ردع التطور النووي لكل من روسيا والصين، ترد موسكو وبكين بأن هذه الاستراتيجبة ذات طابع حربي وقائمة على تكهنات محضة. وأول استنتاج لهذا التباين، أن هذه الخطوة الأمريكية ستقود العالم مجدداً إلى سباق نووي شرس لن يقتصر على واشنطن وموسكو، وإنما سيجر دولاً كثيرة إلى الانخراط فيه بحجج مختلفة.
كل ما يطلق من تصريحات باعثة على التوتر ليس مفاجئاً، وهو دلالة قطعية على مرحلة المخاض العسيرة التي يمر بها المجتمع الدولي باتجاه إعادة هندسة المصالح والنفوذ بين قواه وأقطابه. ولم يعد خافياً أن القوة الأمريكية التي سادت لنحو قرن من الزمان تمر بأزمة معقدة ومتشعبة وأسبابها عديدة. كما لم يعد خافياً أيضاً أن دولاً أخرى، مثل روسيا والصين، بدأت تزاحم المكانة الأمريكية لاحتلال موقع الريادة في المستقبل. والملاحظ أن جميع الأطراف قد بدأت تهمل قيم الشراكة والتعاون، واندفعت للعمل وفق مبدأ «إرادة القوة»، وهو مبدأ مشؤوم سبب الحروب الكبرى والصراعات وجلب الدمار وأورث الضغائن بين الأمم والشعوب، وهو المسؤول عن المصير المجهول الذي ستواجهه البشرية إذا خيّم عليها سباق نووي جديد ووقعت أزراره بأيدي متهورين.
الحرب العالمية الثانية استغرقت خمس سنوات وحصدت أرواح أكثر من 50 مليون إنسان وشهدت أهوالاً لا توصف، وبعدها وقع العالم كله ضحية لحرب باردة استغرقت 45 عاماً بين العملاقين الأمريكي والسوفييتي، وطيلة تلك الفترة الطويلة عاشت البشرية تحت الرعب والشعور المزمن بنهاية الكون بسبب الضخ الإعلامي المروّع عن الإنتاجات المدمرة من قنابل نووية وهيدروجينية وصواريخ عابرة وطوربيدات فتاكة. وعندما انهار المعسكر الاشتراكي في تسعينيات القرن الماضي توهم الكل أن الكابوس المرعب قد انجلى، وأصبح بالإمكان التفاؤل بعيش آمن، ولكن يبدو أن تلك الفسحة كانت مجرد فاصل مؤقت، بينما انهمك المتصارعون، كل من موقعه، يعدون لجولات أخرى.
بالنظر إلى التطور التقني الهائل الذي بلغته الدول الكبرى، يصبح الحديث عن القنابل النووية البدائية مثل تلك التي ضربت هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، كمن يتحدث عن المنجنيق في العصور الوسطى، في حين يجري الحديث الآن عن صواريخ عابرة للقارات وقنابل بإمكانها أن تنسف دولاً بكاملها في لحظات. ومما لا شك فيه أن قصف المدينتين اليابانيتين قد أحدث رجة كبيرة في الوعي الإنساني، وذلك القصف كان هو المسؤول عن التحاق موسكو وبكين وباريس ولندن بالنادي النووي، حيث حرصت على اكتساب هذا السلاح لتصبح لها كلمة. أما واشنطن فقد ظلت تطوّر أسلحتها وتعيش مرارة الخوف من أن تتجرع في يوم من الأيام من الكأس التي سقت منها اليابان. ومع الزمن تحولت هذه الخشية إلى عقدة ثم إلى عقيدة. وأمام ازدياد اللاعبين النوويين تضع الولايات المتحدة نفسها في دائرة المستهدفين وتريد أن تتصدى لكل من يمتلك سلاحاً نووياً.
مما يؤثر عن الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور، الذي حكم في الخمسينيات، قوله «إن كانت المشكلة غير قابلة للحل فضخمها»، ويبدو أن هذه القاعدة تعمل بها الولايات المتحدة إذا اعترضتها صعوبة ما، وها هي تعيد إحياء عقيدتها النووية، بدل أن تعمل مع القوى الكبرى على تقليص أسلحة الدمار الشامل، وحماية البشرية من مخاطر عالية من تهديد الحياة والوجود على الكوكب الأخضر.
chouaibmeftah@gmail.com