مقالات عامة

دهاء القيصر!

صادق ناشر

في السنوات الأخيرة، برز قيصر روسيا فلاديمير بوتين، باعتباره واحداً من قادة العالم وزعمائه، الذين غيروا مشهد الساحة الدولية، عبر السياسات التي اتبعها في بلاده وفي البؤر الساخنة في مختلف مناطق العالم، إذ كان حاضراً في منطقة الشرق الأوسط، بل ولاعباً أساسياً في الحرب السورية، بعدما اصطف إلى جانب النظام، ورجح كفته في الحرب الضارية التي يخوضها ضد خصومه.
بعض الدول تأخذ مساحة كبيرة من اهتمام الناس للسياسات التي تتبعها في معالجة الأزمات، وروسيا واحدة من هؤلاء، لأنها واضحة في توجهاتها وتحالفاتها، على خلاف لاعبين آخرين في الساحة الدولية، كالولايات المتحدة الأمريكية، التي تخلت عن أصدقائها، وهم كثر، بلا غطاء، سواء في الشرق الأوسط أو حتى في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، لهذا نجد أن التخبط في المواقف صار سمة بارزة في سياسة الولايات المتحدة، ما جعلها غير قادرة على إقناع الآخرين بالدور الذي تقوم به حيال القضايا الساخنة التي يعيشها العالم.
ولو أخذنا موقف الولايات المتحدة من التطورات والتحولات في القضية الفلسطينية، لوجدنا أن واشنطن غامرت بتاريخها وعلاقاتها كلها من أجل إرضاء «إسرائيل»، وجاء ذلك على حساب علاقاتها وتحالفاتها مع العرب والمسلمين، إذ إنها عندما قررت الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، وما استتبع ذلك من خطوات سياسية أخرى، مثل نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة مع نهاية العام المقبل، وضعت نفسها طرفاً اصطف إلى جانب الباطل على حساب الحق، الذي تجسده القضية الفلسطينية.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد كان منسجماً مع نفسه ومع مواقف بلاده، ولم يتردد في إعلان مواقف الكرملين الصريحة من تطورات الحرب ضد الإرهاب، على خلاف واشنطن والرئيس دونالد ترامب، وحتى زعماء دول أوروبية الذين يبدون مواقف مهادنة، لا نجدها لدى الرئيس الروسي، الذي يتصرف وفق قناعة واضحة.
من المهم معرفة الخلفية التي جاء منها قيصر روسيا، إذ إنه يعتبر امتداداً لتاريخ الاتحاد السوفييتي، الذي كان الدولة الأكثر ارتباطاً بالقضية المركزية للعرب، وهي القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية، واتبع سياسة معادية لواشنطن في أكثر من نقطة ساخنة، لكن ذلك لا يعني أن روسيا لا تراعي مصالحها، إذ إن ذلك يعتبر الهاجس الأول لمواقف رئيسها، إلا أن الذي يميز بوتين عن بقية الرؤساء أنه أكثر وضوحاً وصراحة مع شركائه، على العكس من واشنطن، التي تبدو في كثير من المحطات أنها أكثر ابتعاداً عن حلفائها.
يمكن لبوتين وروسيا أن يكون لهما حضور أكبر في أزمات المنطقة خلال الفترة القليلة المقبلة، فهذا الحضور صار يتراكم مع مرور الوقت، حيث تجد أنظمة وشعوب أن المواقف الروسية صارت قريبة من مصالحها، خاصة بعد أن ابتعدت عنها الولايات المتحدة ، التي اختارت الوقوف إلى جانب «إسرائيل»، ولم تعد تهتم بخسائرها السياسية والاقتصادية على المدى الطويل.
ويبدو أن دهاء قيصر روسيا الجديد سيكون سبباً في أن يصبح أكثر قدرة على لعب دور سياسي واقتصادي في المنطقة العربية والعالم، وسيكسب حيثما يخسر الآخرون.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى