عام زايد.. عبدالله بن زايد،، يضيف الرونق للمالد..

بقلم: عبدالغفار حسين
كلنا نعرف أن كلمة المالد مشتقة من الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، الذي يصادف شهر ربيع الأول من كل عام هجري، وهو الشهر الذي ولد فيه سيد البشر، صلى الله عليه وسلم، وبمولده تزينت الدنيا، وعبقت روائح الطيب في كل أرجاء المعمورة، وأضاءت الكائنات وتبسم فم الزمان..
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَمُ الزَمانِ تَبَسّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ
لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
بِالترجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ
وَاللَّوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ
نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهْيَ صَحيفَةٌ
في اللَوحِ وَاسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ
اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ
أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ
رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي نثر علينا هذه الدرر الثمينة في قصيدته الخالدة، مولد النور، والتي جسد فيها الانقلاب العظيم الذي حدث في الكون، فأجمع المسلمون الذين عرفوا الإسلام على حقيقته بعد رحيل النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الاحتفاء بمولده الكريم أمرٌ تحتمه مبادئ إبراز الرسالة الخالدة التي حملها للناس.. وأكثر من عرف كُنْه هذه الرسالة هم أهل التصوف والعرفان، الذين تشربوا بالصفائية والروحانية والمحبة لجميع خلق الله، الذين تساووا في الحقوق والواجبات، لا فرق عند أهل العرفان بين خلق الله بسبب الانتماءات والألوان والأعراق، ويدعون إلى السلام وإقامة العدل، وينبذون البغضاء والكراهية، ويعتبرون الحفاظ على هذه المبادئ الخُلُقية العالية ركناً أساسياً من أركان العبادة لله والخضوع له..
وإذا استعرضنا التاريخ الاجتماعي لأهل الإمارات العربية المتحدة، فإننا نجد أن المالد وفنونه الفلكلورية والاحتفالية جاءت إلى هنا مع الوفود القادمة من الحج والديار المقدسة في الحجاز، أخذها حكام الإمارات كفنون شعبية في منتصف القرن التاسع عشر.. وكان المغفور له الشيخ زايد بن خليفة، رحمه الله، (الشيخ زايد الأول)، معروفاً بنزعته التصوفية، فأحب أهل العلم والمعرفة وشجع المالد والقائمين عليه الذين أتوا من الحجاز، ومن المغرب، ومن البحرين، ومن سواحل فارس، ومن عمان، ومن جنوب اليمن، كما كان على هذه الشاكلة المغفور لهما الشيخ مكتوم بن حشر بن مكتوم، ثم بعد ذلك ابنه الشيخ سعيد بن مكتوم، الذي عرف بصلاحه وتقواه وزهده في مباهج الدنيا ومغرياتها..
وجاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان ليفجر الطاقة الإيجابية في كل ما يتعلق بثقافة الفنون الفلكلورية الشعبية التي مارسها أهل الإمارات، وعلى رأس هذه الفنون فلكلور المالد بشقيه، مالد البرزنجي ومالد السماع.. وكان رحمه الله إذا حضر حفل مالد يصبح أحد من يتولى الأناشيد والحركات الفنية في هذا الفن العريق.. وقد رأيت الشيخ زايد، رحمه الله، أخذ مكانه بين «الرديدة» في المالد في عرس الشيخ مكتوم بن راشد رحمه الله عام 1973.
وقد أشرت إلى ذلك في كتاباتي عن الشيخ زايد في رمضان من العام 2007، في الخليج، وقلت، «وقد جلس الشيخ زايد في مكان الفيصول – والفيصول هو ضابط الصف الذي تتبعه الرديدة- وكان الشيخ زايد، رحمه الله، ضابطاً ذا مرانٍ عالٍ على الأداء الإيقاعي لصف الرديدة؛ إذ إن أداء الفيصول في غاية الأهمية لنجاح هذه الحركة الإيقاعية للمالد»…
وفي ليلة الجمعة، قبل نحو أسبوعين، نعمنا بالحفل الذي أقامه سمو الشيخ عبدالله بن زايد في منزله بمدينة خليفة – أبوظبي، احتفاءً بقدوم مولود جديد هو الشيخ ذياب بن عبدالله، وبمناسبة مرور أسبوع العقيقة على المولود الذي نرجو له ولوالديه حياة سعيدة وحافلة بالمسرات.. ومما شدنا كثيراً لهذا الحفل الجميل هو الاستماع إلى الأناشيد النبوية الجميلة، التي أنشدتها فرقة المالد الإماراتية على إيقاع السماع وأشعار المدائح النبوية، وكذلك الاستماع إلى الفرقة الحجازية لمالد البرزنجي؛ حيث تلا المنشدون السيرة النبوية في كتاب البرزنجي المشهور..
وكانت ليلة رائعة شدت انتباه محبي هذه الفنون الفلكلورية الجميلة، التي بدأت في النشاط في الفترة الأخيرة.. وكان رائعاً أن يقوم أحد في منزلة الشيخ عبدالله يحيي مثل هذه الحفلات الروحانية، ويستعيد ذكرى آبائه الكرام..
Agh@corys.ae