غير مصنفة

غبار ترامب يغطي «بلدوزرات» نتنياهو

عوني صادق

كل يوم نقرأ تسريباً جديداً، وأحياناً تصريحات أمريكية رسمية جديدة، حول ما يسمى «صفقة القرن» التي يقال إنها في طور الصياغة النهائية، والتي يقال أيضاً إنها ستقدم رسمياً مطلع العام الجديد. وبقدر ما تتعارض تلك التسريبات والتصريحات حيناً وتتناقض حيناً، بقدر ما تتفق وتلتقي وتشير إلى أن كل الطرق لا تؤدي إلى روما بل إلى تصفية القضية الفلسطينية! والأنكى أنه في الوقت الذي نجد بين تلك التسريبات ما يؤكد أن دولاً تضغط على السلطة الفلسطينية لقبول «الصفقة – التصفية»، نجد آخر التسريبات التي نسبت إلى رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو تفيد أنه سيرفض «صفقة القرن»!!
وبعيداً عن التسريبات والتصريحات تلك، تواصل قوات الاحتلال، برعاية حكومة الاحتلال، عمليات تهويد واستيطان ما بقي من المناطق والأراضي في عملية تطهير عرقي واسعة النطاق تشمل «القدس الكبرى» والضفة والأغوار، لتتحقق في نهاية المطاف مقولة تصورنا أنها كذبة سقطت مع الأيام، مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»! كل ذلك يتم في ظل عمى وصمم دوليين عز نظيره، وضد كل القوانين والشرائع والمواثيق الدولية، وما يسمى زوراً «قرارات الشرعية الدولية»!
ففي الوقت الذي ذكرت مصادر في الخارجية الأمريكية، أنه بعد عشرة أشهر من الاتصالات والزيارات لوزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب لفلسطين المحتلة، أصبحت «خطة ترامب» في طور الصياغة النهائية. ومع أن المصادر نفسها تحدثت عن «عدم تحديد تاريخ مصطنع» لتقديم «الخطة»، إلا أنها قالت ربما تقدم مطلع العام 2018. المهم أن كل التسريبات والتصريحات الصادرة عن الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض، تتحدث عن «دولة على الورق» بلا مقومات على الأرض، فضلاً عن أن القدس لن تكون على طاولة المفاوضات، ولا ذكر لعودة اللاجئين الفلسطينيين، ولا عودة لحدود الخامس من يونيو/ حزيران 1967! ولكن هناك كلام عن «تنمية اقتصادية» و«مساعدات مالية»، وتطبيع عربي- «إسرائيلي»، مع الالتزام بالاحتياجات الأمنية لإسرائيل. وبينما ينسف ذلك كل «المقترحات» الأمريكية السابقة في عهدَي الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما، تبدو ملامح «خطة ترامب» أقرب إلى آخر «اقتراحات» نتنياهو عندما تحدث عن «دولة مؤقتة بلا حدود» وسيطرة أمنية «إسرائيلية» براً وبحراً وجواً على فلسطين الكاملة. وباختصار، فإن كل حديث عن «تسوية» أو حل للصراع، أو «إحلال للسلام في المنطقة»، يرد على لسان ترامب وإدارته ومبعوثيه هو لغو فارغ لا أساس له، ما يجعل التعامل مع هذه الإدارة عبثاً لا مبرر له. ويكفي لكشف موقف إدارة ترامب من الموضوع الفلسطيني تذكر مسألتين كثر الحديث عنهما في الأسابيع الأخيرة، وهما: وقف أو تخفيض «المساعدات الأمريكية» للسلطة الفلسطينية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن!
في هذا الوقت الذي تتكشف الأهداف الحقيقية الإسرائيلية – الأمريكية لسياسة ترامب، وأحاديثه عن «صفقة القرن»، تمارس الولايات المتحدة كل الضغوط الممكنة على السلطة الفلسطينية، وتسكت عن سياسات الاحتلال كافة، وتتجاهل عمليات التهويد والمصادرة القائمة على قدم وساق. ففي الأيام الأخيرة، وبعد اجتماع مع زعماء المستوطنين، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أوامره بإخلاء حوالي (300) من البيوت التي يسكنها فلسطينيون بدو في تجمعات في محيط مدينة القدس، ما بين مستوطنة «معاليه أدوميم» ومستوطنة «متسبيه يريحو» بحجة أنها أقيمت بشكل غير قانوني ! ويرى مراقبون أن الغرض من ذلك هو تهجير التجمعات البدوية المتبقية في القدس وضواحيها في إطار مشروع (إي 1) الاستيطاني. وقالت حركة (فتح) تعليقاً على هذه الإجراءات: إنها «بمثابة حرب شاملة ضد الشعب الفلسطيني، وإعلان رسمي بوفاة حل الدولتين، وتحدٍ صارخ ووقح للمجتمع الدولي وقراراته».
في الوقت نفسه، يجري العمل لاستكمال استيطان الأغوار. وفي خطة لا تزال في مراحلها الأولى، أعدها وزير البناء والإسكان في حكومة نتنياهو يوءاف غالنت لغور الأردن، تستهدف تدعيم المشروع الاستيطاني وزيادة أعداد المستوطنين فيه، حيث يوجد فيه الآن (6) آلاف مستوطن، وتقوم على تقديم تسهيلات كبيرة لجذب واستيعاب عائلات جديدة من المستوطنين. وفي هذا الإطار تقوم الحكومة «الإسرائيلية» بحملة تسويقية ومنح الامتيازات للمستوطنين الجدد. وبطبيعة الحال فإن هذه المخططات تتطابق مع الموقف «الإسرائيلي» من الأغوار. ويذكر في هذا الصدد أن مسؤولين «إسرائيليين»، ومنهم نتنياهو نفسه، سبق لهم وأعلنوا أكثر من مرة أن نهر الأردن هو حدودهم الشرقية، ولن يتنازلوا عن الأغوار في أي «اتفاق نهائي» يتم التوصل إليه.
إن الغبار الذي يثيره ترامب حول «الصفقة» المزعومة لا هدف له إلا أن يغطي على بلدوزرات نتنياهو ومشاريعه الاستيطانية للاستيلاء على كل فلسطين!

awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى