قضايا ودراسات

أسوأ الأسواق

يوسف أبو لوز

يرى الكاتب المغربي عبدالكريم جويطي في حوار في «الشرق الأوسط» أن الإقبال على الرواية كتابةً وقراءةً لا يعني أنها انتصرت على الشعر في الوطن العربي، ويضيف: كما يُقال عن الرجز – البحر العروضي، الخليلي – أنه حمار الشعراء، بالإمكان القول إن الرواية صارت «حمار الإبداع» موضحاً أن هناك – ما سمّاه – نزوحاً جماعياً نحو الرواية، ويمكن أن يُضاف على كلام جويطي أن هذا النزوح الجماعي نحو الرواية تشكّل، اليوم، من شعراء تركوا القصيدة وتوجّهوا إلى السرد.. ولكن، لماذا يهاجر الشاعر إلى الرواية إذا كان متمكناً في الأساس من مشروعه الشعري، أو، إن كان لديه مشروع شعري تعب عليه قراءةً وكتابة؟، وباختصار شديد، يركض هؤلاء الشعراء المهاجرون وراء القارئ، والناشر أيضاً يركض وراء القارئ، وبكلمة ثانية، أصبحت الرواية عند الكثير من كتّابها سواءً من الشعراء، أو، من غيرهم سوقاً ربحية، وعزّز هذا السوق أموال الجوائز الكبيرة التي تمنح للرواية – علاوة على الإعلام والشهرة اللذين تصنعهما الجوائز للروائي، والجوائز تكريم واستحقاق، ومن حق الروائي أن يحصل على جائزة إذا كانت روايته تستحق هذا التكريم عن جدارة وعن مهنية كتابية.
هذا جانب عملي مفهوم في هذه المعادلة، ولكن «اللّامفهوم» أو غير المبرر أن تصبح الهجرة إلى الرواية بوّابة للمال، وليس للإبداع، ومن هنا قال عبد الكريم جويطي أن الرواية أصبحت حمار الإبداع، مع التحفّظ على هذا الوصف، ولكن هكذا هم دائماً إخواننا الكتّاب المغاربة:.. صرحاء بحدّة، ولكنهم أيضاً، حقيقيون «بحدّة».
نعم، ركب على ظهر الرواية شعراء، وغير شعراء، أي أننا أمام سيولة في كتابة الرواية تصل إلى حدّ المبالغة، وكل كثرة في الأدب، تؤدي، بالضرورة إلى نوع من المجانية والسرعة والاستسهال في الكتابة، وهذه الظواهر هي عادة من علامات السوق، وطبيعته الاستهلاكية.
ثم، نعم، هناك قارئ للرواية تشير «بورصته» إلى قارئ أقل في الشعر، وهذا لا يعود إلى جوهر الشعر، بل، يعود إلى الشعراء أنفسهم الذين يقفون أمام ما يشبه حائط الصدّ في كتابة الشعر الأصعب من الرواية، بل، لعلّ الشعر هو أصعب الفنون المكتوبة، والشاعر الذي يكتشف حقيقة ذاته الكاتبة، ويعرف أنها ذات ليست أصيلة فهو سرعان ما يهاجر إلى الرواية.
أكثر من ذلك يهاجر الشاعر الذي لا يمتلك حقيقة الشعر ولا يمتلك ذاتاً إبداعية أصيلة إلى النقد الأدبي، ثم يفشل حتى في أن يكون ناقداً أدبياً في مستوى روح الشعر.
وسواءً في الشعر أو في الرواية أو في النقد الأدبي، وفي الكتابة، بعاَمّة، كما لو أن الإبداع الأدبي النقيّ والرّاقي يبدأ من أسفل ويتجه إلى أعلى.. تماماً مثل نبتة أو عشبة أو زهرة.. مثل إنسان متعبّد دائم النظر إلى السماء.. أما الهبوط بالبراشوت كما يقولون على الشعر أو على الرواية فهو شكل من أشكال السوق… بل، أسوأ الأسواق.

yabolouz@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى