قضايا ودراسات

الأخبار المزيفة.. والمنحازة

كويتشي هامادا*

إن المقابلات دائماً صعبة، وإذا كان هناك مذيع بدون وازع أخلاقي يبحث عن إجابة أو ادعاء معين، فإن لديه القدرة على التعديل أو التلاعب، أو حتى يمكنه إعادة كتابة كلمات موضوعه لتحقيق هذه الغاية، وهذا هو السبب الذي جعلني آخذ وقتاً طويلاً في التحقق بعناية من الاقتباسات التي نسبتها لي وسائل الإعلام.
منذ وقت ليس ببعيد، طلب ممثلون من برنامج تلفزيوني ياباني مرتبط بجريدة ليبرالية، مقابلة معي لمناقشة استراتيجية الإصلاح الاقتصادي، التي وضعها رئيس الوزراء شينزو آبي، والمعروفة باسم «أبينوميكس»، وقد أجريت المقابلة معي لمدة ساعة تقريباً، مع إجابتي، ليتم تضمينها في حلقة تتمحور حول حلقة نقاش عقدت في الأستوديو.
وكانت النتيجة ليست كما توقعت. ومن المؤكد أنني لم أصدم تماماً بأن أرى أن أعضاء اللجنة رفضوا الإنجازات الأخيرة التي حققتها «أبينوميكس»، وأنهم اعتنقوا الرأي الغريب، بأن السياسة النقدية لا يمكن أن تعزز الاقتصاد، ولكنها يمكن أن تتسبب بشكل مفاجئ في التضخم المفرط، وظلت مثل هذه الادعاءات مستمرة، على الرغم من استمرار التعافي القائم على السياسة النقدية الحالية، وانخفاض معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
ولكن التشويه في كلماتي كان كبيراً، ففي المقابلة التي أجريتها، سلطت الضوء على نجاحات «أبينوميكس»، وجادلت بأن سوق العمل القوي، وارتفاع أرباح الأعمال التجارية، سيكون من إرث أبينومكس الدائم، حتى وإن واجهت إدارة آبي تحديات سياسية. وقد شمل البرنامج دقيقتين فقط من المقابلة التي أجريتها، مؤكداً الجزء المتعلق بالتحديات السياسية المحتملة، بدلاً من النجاحات الكبيرة التي حققتها «أبينوميكس».
في السنوات الأخيرة، تم إيلاء كثير من الاهتمام للأخبار المزيفة، وهي تنطوي على التضليل الصريح الذي ينتشر على نطاق واسع، وفي كثير من الأحيان يكون من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها من المنصات على الإنترنت، ولكن تجربتي الأخيرة أبرزت خطراً آخر، وهو الأخبار المنحازة، بحيث يتم من خلالها استخدام التعديلات الاستراتيجية، من أجل تدعيم آراء الصحفي أو المحرر أو المذيع.
إن مثل هذه التقارير الإخبارية التي قد تقدمها المؤسسات الإخبارية التقليدية، يمكن أن تكون ضارة جداً، لا سيما بالنسبة للقادة السياسيين، ومما لا شك فيه أن مكانة آبي السياسية، كانت عرضة لآثار الصحافة المنحازة.
على سبيل المثال قبل عدة أشهر، كان آبي يخاطب جماهير تجمعت في أكيهابارا، وهي منطقة في طوكيو، وقد قام عدد من الحضور، في محاولة واضحة لتخريب خطابه، بالصياح ومحاولة مقاطعته باستمرار. وفي نهاية المطاف صرخ آبي: «أنا لا أخاطب حشداً يصرخ مثلكم!». وفي اليوم التالي، تم نشر أخبار عن كلماته على نطاق واسع، بدون الإشارة لسلوك الجماهير، ما أعطى للقراء انطباعاً بأن رئيس وزرائهم كان يصرخ على المواطنين اليابانيين بلا داعٍ.
وقد ميزت تشوهات مماثلة جلسات الاستماع في البرلمان الياباني، للتحقيق في الادعاءات التي قدمها في الأصل، نائب وزير التعليم والعلوم السابق كيهي مايكاوا، بأن آبي تلاعب بعملية صنع القرار وراء افتتاح إدارة بيطرية جديدة، في جامعة يديرها صديق مقرب منه، ولم ينكر آبي الاتهامات ضده فحسب؛ بل وشهد تاتسو هاتا، الذي كان يعمل سابقاً في جامعة أوساكا، وموريوكي كاتو، وهو الحاكم السابق لمحافظة إهايمي، بأن العملية قد أجريت بصورة عادلة وقانونية.
ومع ذلك واصلت العديد من المؤسسات الإعلامية بما في ذلك صحيفتان رئيسيتان وهما: أساهي، وماينيتشي، بنشر الأخبار عن الفضيحة المفترضة، تاركة شهادة هاتا وكاتو، مع تقديم وصف شامل لاتهامات مايكاوا.
إن مثل هذه التقارير الإخبارية المنحازة، يمكنها بسهولة أن تجعل الناخبين ينقلبون على الزعيم، ولحسن حظ اليابان، لم يتم خداع ناخبيها، وقد أحرز آبي انتصاراً ساحقاً في الانتخابات العامة التي جرت في 22 أكتوبر، وسرعان ما عاد ائتلاف آبي الحاكم إلى السلطة.
وفي الولايات المتحدة، على النقيض من ذلك، يبدو أن القصص الإخبارية المنحازة، وخاصة في وسائل الإعلام الاجتماعية، لها تأثير قوي على الناخبين، حيث دفعت بالاستقطاب السياسي إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، وينطبق هذا بصفة خاصة على الرئيس دونالد ترامب، الذي هاجم مراراً وسائل الإعلام وهو على خطأ في كثير من الأحيان بسبب تغطيتها لأخبار إدارته.

*أستاذ فخري في جامعة ييل ومستشار خاص لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي. والمقال ينشر بترتيب مع: بروجيكت سنديكيت


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى