قضايا ودراسات

التقشف يزيد عدد الوفيات

جيمس بنتام*

ما مدى موثوقية الدراسات التي تربط التقشف بزيادة الوفيات؟ لقد أظهرت دراسة أجرتها المجلة الطبية البريطانية، أن التخفيضات التي أحدثتها الحكومة في إنجلترا سبّبتْ وفيات إضافية، بالمقارنة مع اتجاهات عام 2010، ولكن ما مدى موثوقية الدراسات التي تربط التقشف بزيادة الوفيات؟
هنالك أدلة قوية على أن تخفيضات الميزانية تؤثر على الصحة. ففي اليونان، أدت الأزمة الاقتصادية الأخيرة إلى تخفيضات كبيرة في الإنفاق الحكومي. وتم تحديد سقف الإنفاق على الصحة بستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الآخذ في الهبوط سريعاً.
ومن أمثلة تأثير هذه السياسة، تأثيرها على مستخدمي الأدوية والإبَر الطبية، ففي عام 2009، تم إجراء تخفيض في عدد المحاقن الطبية والواقيات الذكرية، التي توزعها الحكومة. وفي غضون ثلاث سنوات فقط، ازداد عدد الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، من 15 إلى 484 حالة في السنة.
وفي أوروبا الشرقية، أدى انهيار الشيوعية إلى خصخصات جماعية لصناعات رئيسية. وقد اقترن ذلك بقوة بزيادة حالات الوفاة بين الرجال في سن العمل، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة استهلاك الكحول، الذي لم يكن بعضه منتجاً للاستعمال البشري.
وهنالك صلة أيضاً بين التخفيضات في الإنفاق والزيادات في حالات الانتحار، وقد لوحظ ذلك في الولايات المتحدة أثناء الكساد الكبير، وأثناء أزمة منطقة اليورو الأخيرة، ولا سيّما في اليونان.
ونحن نرى وجود أدلة وجيهة تربط بين التخفيضات وبين الوفيات، ولكن لتلك الدراسات حدوداً لا تتجاوزها. أوّلها، أننا لا نرى السيناريو البديل؛ أي ما كان سيحدث لو لمْ يتم إجراء التخفيضات؛ ونشهد زيادات في الوفيات، ولكن هل كان يمكن تجنّبها؟ ومن الحلول الجزئية، النظر إلى البلدان التي تجنّبت التقشف.
وأحد الأمثلة آيسلاندا، التي رفضت حزمة الإنقاذ التي تقدم بها صندوق النقد الدولي في استفتاء عام، وقد أدى ذلك إلى انهيار في عملتها، ولكن إلى تأثير سيء ضئيل أو معدوم على الصحة؛ ولذلك يمكننا فقط أن نخمّن كيف يمكن لسياسة مماثلة أن تؤثر على اليونان، وهل كانت دولة أكبر بكثير في منطقة اليورو، ستمرّ بتجربة مماثلة؟
ومن المعروف جيداً أيضاً، أن الارتباط لا يعني السببية، وكل ما يحتاجه الارتباط هو وجود نتيجتين مترابطتين. أمّا السببية فتعني وجود صلة مباشرة من نتيجة إلى أخرى، وهو ما يصعب إثباته.
وهنالك العديد من الأمثلة على نتائج مترابطة بشكل زائف. ومع ذلك، من المعقول أن التقشف قد تسبَّب في وفيات إضافية. ويشير ذلك إلى أنه ينبغي على الحكومات أن تنظر على الأقل فيما إذا كانت سياساتها تسبب وفيات غير ضرورية.
وعلى الرغم من أن بعض الدراسات حاولت التنبؤ بالوفيات المستقبلية ومتوسط العمر المتوقع، فإن النتائج قد تكون غير جديرة بالتصديق، أو تعتمد اعتماداً كبيراً على افتراضات معينة، وحتى الافتراضات الإحصائية المتطورة، يمكن أن تعطي إجابات مختلفة تماماً، ويمكن أن تتأثر بخصائص تتصف بها البيانات.
وهنالك أيضاً مسائل تتعلق بالبيانات التي تستند إليها الافتراضات، ومن المعروف أن بيانات الوفيات الحالية في البلدان الغنية دقيقة بوجه عام. ولم تكن هذه هي الحال في الماضي، وهي ليست الحال الآن في البلدان الأكثر فقراً، مثل إفريقيا جنوب الصحراء.
إن تحديد أسباب الوفيات أصعب بكثير من عدِّها، ولا سيّما بالنسبة إلى المرضى كبار السنّ، الذين ربّما كانوا يعانون أمراضاً عديدة.
ومعظم البيانات والتحليلات على الصعيد الوطني. وهذا قد يخفي اختلافات مهمة بين المدن أو المناطق، وقد لا يأخذ في الحسبان أمراضاً أو وفيات غير ضرورية، ضمن فئات اجتماعية معينة.
وأخيراً لن تكون هنالك أي بيانات حول الآثار الطويلة الأمد للتقشف الأخير، على مدى عقود عديدة. وهذه المسائل إمّا لا مفرّ منها، أو يصعب حلها، وهذا يعني أن العلماء، بما في ذلك مَن هم في الوسط الأكاديمي منهم، وفي هيئات مثل منظمة الصحة العالمية، يحتاجون إلى دراسة آثار السياسات الاقتصادية بأكبر قدْر ممكن من التفصيل.
وبوَصْفنا خبراء في الإحصاء، نمتلك من البيانات أكثر بكثير ممّا في الماضي، ويمكننا تحليلها بسهولة أكبر. ومن الضروري أن نعطي الحكومات ووسائل الإعلام أكبر قدْر ممكن من الأدلة، وذلك سيساعد الساسة والناخبين على اتخاذ خيارات واعية، أثناء الأزمة الاقتصادية المقبلة.

*محاضر في علم الإحصاء بجامعة كنت البريطانية – موقع: ذي كنفرسيشن


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى