قضايا ودراسات

التنمية المستدامة في مواجهة الإرهاب

د.إدريس لكريني

تصاعدت حدّة العمليات «الإرهابية» بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، في مختلف المناطق من العالم، سواء من حيث مخاطرها وأشكالها أو على مستوى النطاق الذي تتم فيه، أو بالنسبة لعدد المنظمات التي تمارسها. وإذا كانت معظم الدول قد أجمعت على خطورة هذه الآفة، وأكدت ضرورة مجابهتها، فإنها اختلفت من حيث مقاربتها.
وعلى الرغم من مختلف الجهود المحلية والاتفاقية التي بذلت في سبيل الحدّ من هذه الظاهرة العابرة للحدود، فإنها لم تكن بالفعالية المطلوبة، حيث تبيّن أن الظاهرة باتت في تزايد مستمر وخطورة متنامية وانتشار واسع.
يطرح «الإرهاب الدولي»، تحديات وإشكالات كبرى أمام المجتمع الدولي برمّته، بالنظر للتداعيات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يفرزها، فالعمليات التي طالت عدداً من البلدان، على امتداد مناطق مختلفة من العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أكدت أن مخاطر الظاهرة يمكن أن تتجاوز أحياناً مخاطر الحروب النظامية، بالنظر لجسامتها وفجائيتها واستهدافها لمنشآت استراتيجية ومصالح حيوية ولخسائرها البشرية الفادحة..وغالباً ما تشكل الأزمات بؤراً لتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وانتعاش التطرف وتمدّد الإرهاب، وهي (الأزمات) تضع الطرف الذي يواجهها أمام هدفين أو مطلبين رئيسيين، الأول هو حماية المصالح والأوضاع القائمة بأقل تكلفة مادية وبشرية، والثاني هو العمل قدر المستطاع على تجنب الدخول في غمار مبادرات ومواقف مرتجلة يمكن أن تؤدي إلى خروج الأمور عن نطاق السيطرة..
وعلى الرغم من التداعيات الخطيرة التي يخلّفها الإرهاب على مختلف المجالات الإنسانية والبيئية والمعمارية.. فإنها تشكل – مع ذلك- محطّة للتأمل واستخلاص الدروس والعبر من التجارب القاسية؛ واعتماد تدابير أكثر نجاعة وفعالية لمواجهة المخاطر المحتملة..
تشير الكثير من الدراسات والدراسات الأكاديمية، إلى أهمية السبل الوقائية في التعاطي مع الأزمات على اختلافها، وهي سبل أكدها ميثاق الأمم المتحدة في سياق المهام التي تحظى بها هذه الأخيرة، على مستوى المحافظة على السلم والأمن الدوليين، حيث تم التنصيص في الميثاق على مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها تحقيق هذا الهدف.
إن كلفة الإرهاب باهظة بالنسبة للدول والمجتمعات، بما يجعله من بين أهم العوامل المعرقلة للتنمية من حيث تكريس الفقر والبطالة والعجز الاقتصادي ومختلف المعضلات الأخرى.
وفي مقابل ذلك؛ تظل التداعيات التي تفرزها المعضلات الاجتماعية والاقتصادية خطيرة، على مستوى تغذية الأزمات وتوفير المناخ لانتعاش التطرف والإرهاب والسلوكيات المنحرفة.. كما لا تخفى تأثيرات الأزمات الداخلية في أبعادها البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، على المحيط الإقليمي والدولي بفعل تشابك العلاقات والمصالح بين الدول في عالم اليوم.
في معرض حديثه عن السّبل الدولية اللازمة الكفيلة بتحقيق السلم والأمن الدوليين؛ أكد «دانييل كولار» أهمية ونجاعة التنمية إلى جانب مداخل أخرى في هذا الصدد.
ويحيل مصطلح التنمية إلى مجمل التحولات التي تطول المجتمع في مختلف المجالات الاجتماعية، والسياسية؛ والاقتصادية؛ والمعرفية؛ والتقنية، بالصورة التي توفر الشروط اللازمة لحياة أفضل؛ وبما يحقق التّطور والرّفاه للأفراد.. من خلال استثمار وتجنيد الإمكانات المتاحة بشكل جيد، تلبية للحاجات المطروحة في الحاضر والمستقبل.
أضحى كسب رهان التنمية أكثر ضرورة وإلحاحاً، في ظل المخاطر المتنامية الدولاتية (مصدرها الدول) منها وغير الدولاتية التي تهدد السلام العالمي..، ولذلك لم تعد معارك اليوم متوقفة على مواجهة المخاطر العسكرية فقط، بل هي مفتوحة أيضاً ضد الفقر والجهل والتطرف والإرهاب..، والاستثمار في كل ما يعود بالنفع على الإنسان ومحيطه.
ولا شك أن بلورة تعاون دولي في إطار جنوب – جنوب، أو جنوب – شمال، على طريق تعزيز مشاريع التنمية، سيسمح حتماً بمحاصرة مختلف التهديدات والمخاطر تواجه مناطق بعينها؛ لكن تداعياتها تتجاوز الحدود. لا بد أولاً من إدراك مفهوم وخطورة الإرهاب ومظاهر تمدده وتداعياته على الأمن الداخلي والدولي.. وتقييم الجهود الدولية المعتمدة في إطار انفرادي وجماعي لمحاصرته، ووعي أهمية التنمية، كمدخل كفيل بمحاصرة الظاهرة استناداً إلى أهمية المداخل الوقائية التي تقف على العوامل المغذية للظاهرة في جوانبها وأبعادها المختلفة.

drisslagrini@yahoo.fr

زر الذهاب إلى الأعلى