قضايا ودراسات

الوكالة

د. عارف الشيخ

يقال الوكالة (بكسر الواو) والوكالة (بفتح الواو) وهي في اللغة العربية بمعنى الحفظ، فعندما نقول (حسبنا الله ونعم الوكيل) أي الحافظ.
وفي اصطلاح الفقهاء الوكالة هي إقامة الغير مقام نفسه ترفهاً أو عجزاً في تصرف جائز معلوم (انظر حاشية ابن عابدين ج٤ ص ٤٠٠).
أو أنها نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروط بموته (انظر مختصر خليل ج٢ ص ١٢٥).
أو استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخل النيابة من حقوق الله وحقوق الآدميين (انظر الإنصاف ج٥ ص ٣٥٣).
أو تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته (انظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج5 ص ١٤).
والوكالة من العقود الجائزة واستدل الفقهاء بقوله تعالى (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا) (الكهف: ١٩).
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن أبي الجعد البارقي ديناراً يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه (رواه البخاري).
والإجماع منعقد على جوازها لأن الصحابة أقروها.
وهي تصح بأركانها المعروفة: الصيغة والموكل والوكيل ومحل الوكالة، فالصيغة وهي الإيجاب والقبول باللفظ أو بالفعل أو بالكتابة أو بالإشارة.
وأما الموكل والوكيل ويعبر عنهما بالعاقدين ، فيشترط فيهما البلوغ والعقل والتمييز ، واشترطوا في الوكيل العدالة والتعيين وعلمه بالوكالة عند بعض الفقهاء.
أما محل الوكالة فمن حيث اعتبارها تنقسم الوكالة إلى وكالة خاصة ووكالة عامة، والوكالة الخاصة أن يوكل إنسان إنساناً آخر في أن يبيع له البيت الفلاني مثلاً، وعندئذ لا يجوز له أن يتصرف إلا فيما أجازه بالتصرف فيه.
والوكالة العامة أن يقول له: وكلتك في كل ما أملك فلك أن تتصرف فيه كما ترى والوكالة بهذه الصورة مختلف في حكمها عند الفقهاء.
فالحنفية والمالكية قالوا بجواز الوكالة العامة وهي تشمل كل شيء إلا الطلاق والعتق والوقف والهبة والصدقة (انظر ابن عابدين ج٤ ص ٣٩٩، وانظر بداية المجتهد ج٢ ص ٢٧٢).
ويقول الشافعية والحنابلة إن التوكيل العام لا يصح وإن الموكل فيه لا بد أن يكون معلوماً من بعض الوجوه دفعاً للغرر. (انظر المهذب ج١ ص ٣٥٠ وانظر المغني ج٥ ص ٢١١- ٢١٢).
وقد قالوا إن الأمور التي يصح فيها التوكيل باتفاق هي: العقود والعبادات المالية والطلاق والرجعة والخلع.
والأمور التي لا يصح التوكيل فيها باتفاق أيضاً هي الشهادة والأيمان والنذور والمعاصي والعبادات البدنية.
أما الأمور المختلف فيها فهي الحج والعمرة والنكاح من المرأة والظهار وتحصيل المباحات والإقرار والخصومة بالمطالبة بالحقوق وإثبات القصاص واستيفاؤه وإثبات الحدود واستيفاؤها.
ومما اختلف فيه الفقهاء وكالة المرتد عن الإسلام فجمهور الفقهاء على أن المرتد لا يوكل غيره حتى يعود إلى الإسلام، والشافعية في قول إن وكالة المرتد لغيره صحيحة.
والجمهور قالوا إنه لا يصح للمسلم أن يوكل ذمياً في بيع الخمر والخنزير لأن من شروط الموكل أن يملك التصرف فيما يريد أن يوكل فيه غيره، فكونه لا يملك بيع الخمر فإن الوكيل أحرى ألا يملك ذلك.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى