قضايا ودراسات

انقلابات أمريكا الناعمة

عاطف الغمري

يتردد هذه الأيام في الولايات المتحدة، تعبير الانقلاب الصامت، أو الانقلاب الناعم، وصفاً لمحاولات تُجرى من جانب شخصيات، ومن قيادات بالحزب الديمقراطي لعزل الرئيس ترامب.
وحول النتائج المتوقعة لهذه المحاولات، استضافت شبكة «فوكس نيوز» عدداً من المحللين المعروفين؛ لتحديد وصفهم لما يجرى، كان منهم إيلي ستوكلس مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال»، و«لوس أنجلوس تايمز» والذي قال إن ترامب يواجه الآن شكلاً من الانقلابات الناعمة.
ولوحظ أن الديمقراطيين بدأوا بعد مرور عام ونصف العام من انتخاب ترامب، في كشف أشياء في تصرفاته، يمكن أن تؤدي إلى عزله، فيما سمّاه البعض انقلاباً ناعماً في حالة نجاحه.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد ذكرت في سبتمبر/ أيلول 2018، عقب عزل ترامب لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كوماي، أن نائب المدعي العام رود روزينشتين، قد تحدث مع بعض زملائه بوزارة العدل، عن تطبيق التعديل الخامس والعشرين من الدستور لعزل ترامب.
وتعليقاً على ذلك تساءلت شبكة «فوكس نيوز» عما إذا كان ذلك يعد انقلاباً؟.
هذه المحاولات، أو استخدام هذا المصطلح تحديداً، ليس جديداً في تاريخ السياسة الأمريكية، سواء لتغيير أوضاع داخلية، أو لتغيير جذري في مسار السياسة الخارجية، والتي أطلق عليها لفظ الانقلاب.
وكان بعض ما جرى من تغيير في الداخل، قد لحق به تغيير أساسي في السياسة الخارجية. من ذلك على سبيل المثال مؤامرة اغتيال جون كنيدي، وخداع ليندون جونسون للكونجرس بمعلومات مزورة؛ لاستصدار قرار بمزيد من التورط في فيتنام، وكذلك ما أحاط بأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 من خلال غموض ما زال يخيم على قوى ذات نفوذ في أجهزة الدولة، وفيما وصفه محللون بأنه انقلاب.
الشبهات اتجهت إلى أجهزة الدولة، وفي مقدمتها المخابرات المركزية، بالتورط في اغتيال كنيدي، ولم تستبعد تورط نائبه ليندون جونسون، وهو ما نشره كتّاب ومسؤولون أمريكيون في ذلك الوقت من عام 1963. وإن أوزوالد الذي اتهم بإطلاق الرصاص على كنيدي لم يكن وحده، بل هو جزء من شبكة متعددة الأطراف.
وعقب اغتياله حدث في عهد خلفه جونسون تغيير في السياسة الخارجية لكنيدي، أبرزها إلغاء جونسون لقرارات سبق أن اتخذها كنيدي تجاه ملف «إسرائيل» النووي، عندما وجه في عام 1962 إنذاراً ل«إسرائيل» للسماح بإيفاد مفتشين للتحقق من وجود برنامج لإنتاج سلاح نووي، وأنه سيضطر إزاء رفضها إلى اتخاذ إجراءات مشددة تجاهها.
أيضاً كانت خديعة جونسون للكونجرس بالادعاء بإطلاق زوارق فيتنامية نيرانها على سفن أمريكية في خليج تونكين، ثم ثبت فيما بعد أن شيئاً من ذلك لم يحدث، لكن كان الوقت قد فات على استدراك الموقف، بعد أن صعدت الولايات المتحدة من تورطها عسكرياً في حرب فيتنام، وهو ما وصف وقتها بانقلاب صامت.
أطلق هذا التعبير على إدارة جورج بوش بالنسبة لسياسته الخارجية، التي قامت على عسكرة السياسة الخارجية، بحيث تأتي المفاوضات الدبلوماسية، في مرتبة تالية للعمل العسكري، وفق ما نصت عليه السياسة الخارجية الجديدة، بالحرب الاستباقية ضد عدو محتمل.
وكان تعبير انقلاب في السياسة الخارجية، قد تردد بكثرة من جانب كتّاب أمريكيين، في وصف قيادة مجموعة المحافظين الجدد للسياسات الخارجية والعسكرية لإدارة بوش، وكان ضمن أهداف استراتيجية بوش الجديدة، تغيير الاستراتيجية المعمول بها طوال عشرات السنين في منطقة الشرق الأوسط، من مساندة حكومات حليفة أو صديقة، إلى اعتبارها إما عدواً محتملاً في وقت في المستقبل، أو التعامل معها على أنها عدو فعلي، وتدبير مؤامرات لإسقاط أنظمتها، والمجيء بأنظمة جديدة، وهو ما بدأ العمل به من تكليف الخبير السياسي مايكل لادين بوضع خطة لتغيير حكومات المنطقة، ومجتمعاتها من الداخل، تنفذ على مدى عشر سنوات.
وكان هذا يعد انقلاباً على مبدأ مهم للسياسة الخارجية، وهو مبدأ الاستقرار الإقليمي، والذي أكده الرئيس بوش الأب، عقب تفكك الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، باعتبار أن أمن بلاده لا يقوم إلا على سياسة خارجية تدعم الاستقرار الإقليمي للمنطقة، بعد زوال أسباب الصراع الأمريكي- السوفييتي بها.
إن التاريخ الذي استخدم فيه تعبير الانقلاب، يعود إلى فترات زمنية أقدم من الفترة الحديثة، لكن المعنى عاد من جديد مع رئاسة دونالد ترامب، وتكرار ما يسمى الآن بالانقلابات الناعمة.

زر الذهاب إلى الأعلى