قضايا ودراسات

تعظيم استهلاك «الكبير» في أمريكا

جوناس شميت*

سيارات أكبر.. منازل أكبر.. كميات أكبر.. «الأكبر هو الأفضل دائماً».. تلك هي طريقة التفكير التي عادة ما تسود في الولايات المتحدة.
يفضل المستهلكون الأمريكيون أن يتسوقوا احتياجاتهم بكميات كبيرة، فتجدهم يبحثون عن السلع ذات الحجم العائلي في متاجر البقالة، وتجد السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات التي تقارب في حجمها الشاحنات الضخمة تجوب الشوارع، وتجد المراكز التجارية ذات المساحات الشاسعة تنتشر في مختلف المدن الأمريكية.
ويصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الظاهرة في كتابه «فن الصفقة» الذي صدر عام 1987: «إذا كنت سوف تفكر بأي حال من الأحوال… فربما يكون من الأجدر بك أن تفكر في الأشياء الكبيرة».
غير أن بعض الأمريكيين يتعلمون الآن كيفية تقدير طريقة العيش الأكثر اعتدالا، حيث يعيشون في منازل أصغر، ويبتعدون عن الافراط، ويتبادلون النصح فيما بينهم بشأن الاكتفاء بالحد الأدنى من الاحتياجات. بل إن بعضهم ابتكر بالفعل نسخاً أصغر حجماً من الأغراض التي يستخدمونها في الحياة اليومية، ونجحوا، ولو من قبيل المرح، في أن يصنعوا نسخاً أصغر من الحياة التي يعيشونها.
ويتبادر إلى الذهن السؤال بشأن ما إذا كانت بلاد المقاس الكبير (إكس إكس إل) تتحول تدريجياً إلى بلاد المقاس الصغير (إكس إكس إس).
ويختار آخرون تقليل المساحات التي يعيشون فيها ويبحثون عن أماكن إقامة بأصغر حجم تكفي لاستيعاب احتياجاتهم الأساسية. وتشير مجلة «كانتري ليفينج» إلى هذا الاتجاه الذي يبشر بأسلوب حياة «أكثر بساطة ولكنه أكثر ثراء» قائلة: «الحجم ليس كل شيء».
ويصف الموقع الإلكتروني «أرك ديلي» المتخصص في مجال الهندسة هذا الاتجاه بأنه «مصدر للحرية»، غير أن أماكن الإقامة الصغيرة لا تزال نادرة نسبياً في سوق العقارات الأمريكي، نظرا لأن حجم المنازل في الولايات المتحدة قد اتسع خلال العقود القليلة الماضية، وإن كانت بعض البرامج التلفزيونية مثل «تايني هاوس هانترز» أي «الباحثين عن المنازل الصغيرة» تمجد المنازل الأصغر حجماً.
ولكن انتهاج نمط الحياة القائم على إشباع الحد الأدنى من الاحتياجات ليس سهلا بالنسبة للجميع. وتشير الدراسات التسويقية التي أجرتها شركة «سباير فوت» إلى أن واحداً من كل 11 أمريكياً يدفعون قرابة 90 دولاراً شهرياً لاستئجار منشأة تخزين لوضع أغراضهم الشخصية. ويقول الموقع الإلكتروني «كيربد» إن قطاع التخزين يدر نحو 38 مليار دولار سنويا.
ثم إن هناك «المولعين بالنماذج الصغيرة» الذين يريدون بناء أشكال مصغرة من الأشياء، فتجد في عالمهم المصغر كيساً من المقرمشات أو فنجان قهوة في حجم العملة المعدنية الصغيرة.
غير أن «المولعين بالنماذج المصغرة» والأشخاص الذين يكتفون بالحد الأدنى من احتياجاتهم ما زالوا يمثلون الاستثناء عن القاعدة في الولايات المتحدة. ويقول الكاتب كيرك باتريك سيلز في كتابه «هيومان سكايل ريفيزيتد» أي «إعادة النظر في المعيار البشري» إن «معظم الأمريكيين لا يزالون يمجدون الحجم على حساب عدم معرفة ما هو حد الكفاية ما يؤدي إلى صيغة أن الأكبر دائماً هو الأفضل، ثم إن من يكبرون في مثل هذا الإفراط ينقلون بالقطع هذه الأفكار إلى ذريتهم».
وربما يكون دونالد ترامب، الذي وصل إلى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة بعد ثلاثة عقود من نشر كتابه، هو خير دليل على هذه العقلية، وبالتالي فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون كلمة «هائل» من بين كلماته المفضلة التي اعتاد على تكرارها.

*(د ب أ)

زر الذهاب إلى الأعلى