قضايا ودراسات

حل ميليشيا الحوثي شرط للتسوية

د. مانويل الميدا*

ينبغي أن يكون واضحاً أنه لا يوجد سوى طريق واحد للسّيْر قُدماً: يجب على القيادة الحوثية حلّ ميليشياتها، وإلقاء سلاحها، والعودة إلى أصولها كحزب سياسي دون جناح مسلح على غرار حزب الله.
فتحت وفاة علي عبد الله صالح فصلاً جديداً في الصراع في اليمن، وحرمت النشطاء الزيديين من حليفهم القوي سابقاً. وكان إعدام الرئيس السابق على أيدي الحوثيين، هو الذي جدّد التركيز على الأزمة اليمنية المأساوية، أكثر من الوضع الإنساني المأساوي، بما في ذلك تفشّي الكوليرا على نطاق واسع، والنقص الحاد في الأغذية، والمياه، والأدوية والوقود.
وقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريش، في تصريح لشبكة «سي ان ان» قبل بضعة أيام فقط، أنّ «من مصلحة الجميع وقف هذه الحرب»، وأضاف «إن ما نحتاجه هو حلّ سياسي».
والأمين العام للأمم المتحدة مُحِقّ في التأكيد على الضرورة الملحة، والإشارة إلى أنّ الحل النهائي للصراع لا يمكن إلاّ أن يكون سياسياً. ومن المحتمل أن يكون للأمم المتحدة، والمجتمع الدولي بشكل أعمّ، دور مهم يؤدّيانه في جهود التوصل إلى هذا الحل.
ولكن مبادرات السلام السابقة، رفعت الحوثيين إلى وضعية لا مُبرِّر لها، بينما قصَّرت في ممارسة الضغط اللازم على الجماعة المتشددة، لحملها على التراجع والتخلي عن أجندتها الراديكالية وغير القابلة للتحقيق.
وعلى هذه الجبهة، كانت هنالك فجوة بين قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حول الصراع، ومن أبرزها القرار 2216، والجولات المختلفة من المفاوضات في جنيف ومسقط ومدينة الكويت منذ عام 2015.
ويفرض القرار 2216 على الحوثيين مطالب لا لبس فيها، تتضمن التخلي عن جميع المناطق التي تم الاستيلاء عليها منذ بداية الصراع، والتجرد من جميع الأسلحة التي استولوْا عليها من الجيش والمؤسسات الأمنية. ويطالب المسلحين الزيديين أيضاً ب«التوقف عن أي استفزاز أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك من خلال اكتساب صواريخ أرض- أرض» و«إنهاء تجنيد واستخدام الأطفال» في صفوف ميليشياتهم».
إلاّ أن الجولات المختلفة من المفاوضات منحت الحوثيين وشكاواهم ومطالبهم بروزاً غير مستحَق. وعلى الرغم من أنهم من الناحية العسكرية طرف رئيسي في الصراع، ولا سيّما بعد خروج صالح من المشهد، فإنهم يتحملون المسؤولية الرئيسية عن انهيار اليمن. وهم الفصيل الوحيد من بين مختلف الفصائل، مثل الإصلاح أو الحراك، الذي نبذ بصورة مباشرة نتائج عملية الانتقال السياسي، ومؤتمر الحوار الوطني، الذي شاركوا فيه.
وعلى الصعيد السياسي، يعاني الحوثيون العزلة أكثر من أي وقت مضى. وبقيامهم بقتل صالح، أصبح تحالفهم مع قطاعات من المؤتمر الشعبي العام، التي لا تزال موالية للرئيس السابق، في مهب الريح. وقد فقد ادعاء قيادة الحوثيين الواهي بأنهم يمثلون نسبة مهمة من اليمنيين ومصالح الزيديين العامة، كل مظهر من مظاهر المصداقية.
وعلاقاتهم الإيديولوجية القوية، وارتباطاتهم في العمليات مع إيران وحزب الله اللبناني، التي غالباً ما يجري التقليل من شأنها من قِبل المحللين باعتبارها ضرباً من الارتياب أو المبالغة، باتت الآن واضحة بشكل سافر. والخليط المتفجر من الراديكالية والشعبوية، وهو السمة المميزة للإيديولوجيا الخمينية، هو الذي دفع القيادة الحوثية إلى السير في طريق محاولة إحياء الإمامية في شمالي اليمن.
وحتى الأمم المتحدة تعترف الآن بيد إيران في نقل تكنولوجيا الصواريخ البالستية إلى الحوثيين. وفي الأسبوع الماضي تأكدت أنباء وفاة خبير إيراني في الصواريخ في صنعاء.
ولا يتقبل اليمنيون أنفسهم، ولا جيرانهم العرب، التصوّر الذي لم يكن ليخطر في البال من قبل، ويتمثل في خضوع نصف البلاد لسيطرة الحوثيين بوصفهم جماعة مسلحة. ولا مجال هنالك، لوجود حزب آخر على غرار حزب الله في جنوبي شبه الجزيرة العربية. وفهم ذلك، مفتاح لفهم الصراع وكيفية حله. وهنالك أيضاً القضية الملحة، الخاصة بالحكم وتوفير الخدمات الأساسية، التي برهن الحوثيون على أنهم عاجزون تماماً عن توفيرها.
والآن، ينبغي أن يكون واضحاً أنه لا يوجد سوى طريق واحد للسّيْر قُدماً: يجب على القيادة الحوثية حلّ ميليشياتها، والتجرد من سلاحها، والعودة إلى أصولها كحزب سياسي دون جناح مسلح على غرار حزب الله.
كان من العقبات الحاسمة في الجولات السابقة من المفاوضات، الخلاف بين الحكومة اليمنية والحوثيين على تطبيق خطة السلام، وبالتحديد ما إذا كان انسحاب الحوثيين وتسليم الأسلحة التي استولوا عليها، ينبغي أن يسبق عملية سياسية جديدة، أو يحدث بالتوازي معها. ولكنْ حتى هذه العقبة، تم التغلب عليها، بموافقة الحكومة اليمنية على المضيّ قُدماً بالتوازي.
يجب منع سيناريو حزب الله في اليمن، وممارسة الضغط من قِبل المجتمع الدولي، وسيكون خطوة أساسية نحو التوصل إلى الحلّ الملحّ الذي يحتاج إليه ملايين اليمنيين حاجة قُصوى.

* محلل ومستشار سياسي يركز على الشرق الأوسط.
وهو رئيس التحرير السابق للطبعة الانجليزية على الانترنت، لصحيفة الشرق الأوسط . موقع: «يوراسيا ريفيو»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى