قضايا ودراسات

دفتر وقلم

د. حسن مدن

لم يكن لديّ، من قبل، موقف سلبي أو متحفظ تجاه رواية «باولا» لإيزابيل الليندي، بل على العكس أحببت هذه الرواية حين قرأتها قبل سنوات مضت، حتى طالعتُ للكاتبة اللبنانية الراحلة ميّ غصّوب رأياً في أمر هذه الرواية، حملني على بعض التساؤلات.
كما نعلم فإن «باولا» هو اسم ابنة الكاتبة، وبدأت الليندي في كتابة الرواية وهي ترعى ابنتها المصابة بمرض نادر قبل أن تموت بسببه.
والشائع لدى النقاد والقراء أن مشروع الرواية ابتدأ بفكرة رسالة كتبتها الأم لابنتها التي كانت في حالة غيبوبة، لتقرأها عندما تصحو وتتضمن ما يشبه السيرة لحياة أسلافها، ومن ثم حياتها هي نفسها، متعرضة لمحطات من تاريخ بلدها، تشيلي، لكن الرسالة سرعان ما تطورت لتصبح رواية، تدخل في دائرة الروايات التي حولها يدور السجال: أهي رواية أم سيرة ذاتية، ولعلها، للدقة، مزاوجة بين الأمرين.
لكن مي غصوب في مقالٍ ضمّه كتابها: «مزاج المدن» قدّمت حكاية مختلفة حول كيف بدأت الليندي تأليف «باولا»، حيث تقول إن ناشر الليندي زارها، وهي في المستشفى بجوار ابنتها المريضة وفاقدة الوعي وعلى وشك أن تلفظ أنفاسها، وفي يده دفتر وقلم ونصحها قائلا: أنت كاتبة والطريقة الوحيدة التي يمكنك بها مواجهة هذه المأساة هي بكتابتها.
ليست حكاية زيارة الناشر ونصيحته للكاتبة هي ما استوقفتني، فحتى لو كانت فكرة كتابة «باولا» أتت بإيحاء أو نصيحة من الناشر، فما المشكلة في أن نجعل من الكتابة وسيلة لمقاومة الألم. ما استوقفني هو السؤال الذي طرحته ميّ غصوب، وبقدر واضح من الدهشة وربما حتى الاستهجان بعد أن أوردت ذلك، حيث تساءلت: كم عدد الأمهات اللواتي بوسعهن أن يفعلن ما فعلته الليندي؟.
سؤال مخاتل ولا شك. ولا أفهم منه أن غصوب كانت، عبر السؤال، تشير إلى أن عدد الأمهات الموهوبات، الكاتبات، من مجمل الأمهات اللواتي يمررن بتجربة مؤلمة كتجربة الليندي مع مرض، ثم وفاة، ابنتها، يظل قليلاً وحتى نادراً، وبالتالي فإنهن لا يملكن الموهبة لشرح معاناتهن، بقدر ما كانت ترمي إلى القول: كيف تجلّدت الأم وكتبت الكتاب وسط هذه المعاناة، وقد أتبعت غصّوب سؤالها هذا ليس فقط بالقول إن الرواية لا تروق لها، وإنما، أيضاً، أنها تشعر بالعبوس إزاء الليندي.
أي أن السؤال ينطوي على ما يمكن وصفه بالشحنة الأخلاقية، التي تخلق في نفوسنا درجة من الحيرة.

madanbahrain@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى