غير مصنفة

دوافع الانحياز الأمريكي لـ «إسرائيل»

عاصم عبد الخالق

قبل قرارها الأخير حول القدس وبعده تبقى أمريكا منحازة انحيازاً كاملاً وبلا حدود لـ«إسرائيل». كانت كذلك، وستظل هكذا، وليس في الأمر ما يدعو إلى الدهشة أو العجب إذا عرف السبب. الانحياز الأمريكي إلى «إسرائيل» لا تمليه المصالح فقط، ولا يشعل جذوته النفوذ اليهودي فحسب، ولكن له أسباباً أعمق من هذا بكثير. للموقف جذوره الفكرية والدينية الضاربة في أعماق الهوية الأمريكية، وهو بهذا المعنى ليس موقفاً سياسياً أو حزبياً ولكنه جزء لا يتجزأ من العقيدة المسيحية البروتستانتية.
بوضوح أكثر الانحياز لـ«إسرائيل» أو الإيمان بـ«إسرائيل» على نحو أدق، هو التزام ديني أخلاقي قبل أي شي آخر. ومن يعتبر نفسه مسيحياً بروتستانتياً ملتزماً يرى في «إسرائيل» تجسيداً لنبوءة الرب عن أرض المعاد لليهود. لهذا السبب فإن تأييد «إسرائيل» يختلف عن تأييد أي دولة أخرى وفقاً لمعتقدات ما يسمي باليمين الأمريكي أو المحافظين الجدد أو الانجليكينيين. يحتاج العرب لفهم هذا البعد الديني الذي يسبغ قداسة فريدة من نوعها على العلاقة الأمريكية مع «إسرائيل».
وهناك كتاب مهم صدر منذ سنوات للكاتبة روجينا الشريف ترجمة أحمد عبدالله بعنوان: «اليهودية غير الصهيونية»، يتحدث بالتفصيل عن مسألة الدعم الأمريكي لـ«إسرائيل» كالتزام ديني في المقام الأول. عنوان الكتاب يشير إلى نوعين من الصهيونية الأول هو الصهيونية المرتبطة باليهود، والآخر الصهيونية التي يؤمن بها المسيحيون أو ما عرف بالمسيحية الصهيونية. وقد يندهش الكثير من العرب عندما يعرفون أن غير اليهود هم أول من بدأ في نشر الفكرة الصهيونية بخصوص الوطن القومي لليهود في فلسطين. حدث هذا قبل ثلاثة قرون كاملة من المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل 1897 بعد عام من صدور كتاب هيرتزل الشهير «الدولة اليهودية».
وكما يوضح الكتاب فإن الصهيونية غير اليهودية هي مجموعة من المعتقدات المنتشرة بين غير اليهود والهادفة إلى تأييد قيام دولة قومية لليهود في فلسطين بوصفها حقاً لهم بموجب «صك الهي» مسجل في العهد القديم أو التوراة. وانطلاقاً من هذا الإيمان الراسخ يمكن بسهولة فهم واستيعاب الدوافع الحقيقية للدعم المطلق لـ«إسرائيل» من جانب الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، شأنه في ذلك شأن غيره من سائر المسيحيين البروتستانت ، وأتباع الكنسية الانجليكية أو الانجليكانية وبصفة عامة اليمين الأمريكي ومن يطلق عليهم اسم المحافظين الجدد. والزمرة الأخيرة ما زالت ذكرى سياساتها المتطرفة مثل غزو العراق ماثلة في الأذهان بعد أن سيطرت بالكامل على القرار الأمريكي إبان حكم الرئيس الأسبق بوش الابن.
يبدد الكتاب وهماً عربياً آخر يتعلق بافتراض أن اللوبي اليهودي القوي في أمريكا هو السبب الرئيسي لدعمها لـ«إسرائيل». وتعتبر المؤلفة أن مثل هذا التفسير التقليدي ساذج جداً. والحقيقية كما أشرنا هي أن الدعم لـ«إسرائيل» يرتبط بمعتقدات دينية وليس مجرد تعاطف سياسي. كما أن هذا الدعم قائم حتى قبل تأسيس ونمو هذا اللوبي القوي. وما كان للوبي اليهودي (والكلام للمؤلفة) أن يتمتع بمستوى النفوذ الذي بلغه لولا الحقيقة البسيطة الواقعة اليوم وهي أنه يعمل في بيئة سياسية ملائمة إلى أقصى حد للأفكار الصهيونية.
وللسبب نفسه فإن من الخطأ الاعتقاد بأن نجاح الصهيونية الذي بلغ أوجه بقيام «إسرائيل» يرجع إلى مواهب اليهود الصهيونيين الأوائل مثل حاييم وايزمان أو لويس برانديس أو غيرهما. ذلك أن قدرة أمثال هؤلاء مهما بلغت لم تكن لتؤتي ثمارها ما لم يكن أشخاص غير يهود قد بذروا بذور الصهيونية قبل كتاب هيرتزل ومؤتمره الشهيرين.
القصة طويلة ومتابعتها تساعد كثيراً على فهم أعمق لطبيعة العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل». وما ذكرنا لا يعدو كونه محاولة متواضعة للاقتراب من هذا الفهم، ولكن لا تزال للقصة بقية وقد نعود إلى التنقيب في صفحاتها لاحقاً.

assemka15@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى