غير مصنفة

كتب غيّرتنا

د. حسن مدن

يوجد كتاب، أو مجموعة كتب، لا نعود نحن أنفسنا بعد قراءتها، لأنها تحدث تحولاً، وربما انقلاباً، في تفكيرنا، وتفتح أمامنا أبواباً كانت موصدة، حتى وإن كانت بالقرب منا، لكننا لم نكن نبصرها، فيأتي الكتاب المعني، أو مجموعة الكتب، لتزيل الغشاوة عن أعيننا، فنصبح بنعمتها قادرين لا على رؤية تلك الأبواب فحسب، وإنما الولوج منها أيضاً لنبلغ آفاقاً لم نحسب أنها موجودة.
لكن هذا التمجيد للكتب التي تُغير تفكيرنا يطرح، بالمقابل، قضية أخلاقية على قدر من الحساسية، وربما الخطورة أيضاً، تتمثل في حقيقة أنه ليست كل الكتب تغير تفكيرنا نحو الأفضل، خاصة في حال غابت الحصانة المعرفية والفكرية اللازمة التي تمدنا بأدوات النقد والتقييم، وتمكننا من غربلة الأفكار، للاستفادة مما يطور ويثري معارفنا، واستثناء ما لا يحقق هذه الغاية.
والتاريخ شاهد على كتب يمكن وصفها بالكتب المدمرة، وهي في الغالب كتب ذات طابع شعبوي، تتسم بالسطحية وعدم العمق، وموجهة للدهماء، أي للكتل الكبيرة من الناس، التي يمكن تهييجها عاطفياً، وحشدها حول أفكار لا تقود إلا إلى دمار المجتمع.
وبالنظر لما هي عليه هذه الكتب من سطحية، ولما يتوفر لمن يفترض أنه ألّفها من نفوذ، فإنها قابلة للانتشار السريع والواسع، لأن قراءتها لا تتطلب نضجاً أو عمقاً في المعرفة، على خلاف الكتب المضيئة، البانية للوعي السليم، والتي تتطلب قراءتها صبراً وجلداً، أو حباً للقراءة.
على صلة بموضوع مثل هذا، أو قريباً منه، يناقش مقال ترجمته الكاتبة والمترجمة العمانية أزهار الحارثي لمجلة «الثقافة العالمية» الكويتية السؤال التالي: «هل يؤدبنا الأدب؟»، كاتبه أستاذ للغات السلافية والآداب في جامعة نورث وسترن، والزاوية التي يسلط المقال الضوء عليها تتمحور في التالي: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر قراءة الأدب سلباً في الأخلاق؟
والمنطلق في هذا أننا بقراءة الأدب، بما في ذلك الدرر الكلاسيكية فيه مثل «الإلياذة» و«الجريمة والعقاب» و«آنا كارنينا» و«الفردوس المفقود»، وما إليها فإننا ندخل في عوالم وأفكار قد تختلف كثيراً عن تلك التي عرفناها وألفناها في ثقافتنا.
صحيح أن هناك قيماً إنسانية مطلقة يتقاسمها البشر جميعاً بصرف النظر عن دياناتهم ولغاتهم وثقافاتهم كالحب والنزاهة والاستقامة والعدالة.. إلخ، لكن هناك تفاوتات في الفهم حتى لهذه القيم بين ثقافة وأخرى. والكاتب، ولنقل الكاتب الروائي مثلاً، حين يكتب فإنه يكتب من وحي قيم الحضارة التي ينتمي إليها وتقاليد المجتمع الذي فيه يعيش.
لكن المقال يحضنا على عدم التهويل من المخاطر الآتية من اختلاف المعايير بين المجتمعات والثقافات، ذلك أن تجاربنا كأفراد، أو حتى كشعوب أو أمم، تظل جزئية، لو نظرنا إليها من المنظور الكوني، القائم على التعددية الحضارية والثقافية، وهي التعددية المناط بها تخصيب وإثراء التجربة الإنسانية في مجموعها.
dr.h.madan@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى