قضايا ودراسات

ما الذي ينتظره الفلسطينيون؟

محمد نورالدين

على مدى يومي الأحد والاثنين الماضيين، عقد المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية دورته الثلاثين في رام الله، بحث فيها كل جوانب عملية التسوية مع «إسرائيل» والوضع الفلسطيني. وفي نهاية الاجتماعات صدر بيان عن الاجتماعات، اتسم بلغة غير مسبوقة من جانب المجلس الذي تهيمن عليه حركة فتح، وقاطعت اجتماعاته معظم الفصائل الأخرى.
للمرة الأولى منذ فترة طويلة يقرر المجلس تعليق الاعتراف ب«دولة إسرائيل» إلى حين اعتراف الأخيرة بدولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو وعاصمتها القدس. كذلك قرر المجلس وقف التنسيق الأمني مع «إسرائيل»، كما الانفكاك الاقتصادي عنها. كما عبّر المجلس عن رفضه التام لما يسمى ب«صفقة القرن» أو أي مسمى آخر.
بمعزل عن أي تحليل أو تأويل لمدى جدية أصحاب البيان في ترجمته إلى أفعال ونشاطات وتحركات ميدانية وديبلوماسية، فإن مجرد إعادة الاعتبار لهذه النبرة العالية هو محطة مهمة في مسيرة القضية الفلسطينية التي دخلت في نفق مظلم منذ اتفاقية أوسلو عام 1993 والتي انتهت بالقضم التدريجي للأراضي في الضفة الغربية. كما سهّلت حتى، من حيث لا تقصد، في انتشار وتوسيع الاستيطان الاستعماري الصهيوني، بحيث تكاد «إسرائيل» تكرر في الضفة سيناريوهات ابتلاع فلسطين 1948. كذلك فإن تشديد قيادة السلطة الفلسطينية على أن العمل السياسي والديبلوماسي هو السبيل الوحيد للمقاومة كان عامل اطمئنان للعدو ليواصل مخططاته في الأراضي المحتلة خارج أي مخاطر من التعرض لجنوده من جانب الفلسطينيين.
لقد مرت القضية الفلسطينية بمراحل متعددة، كانت تتزامن فيها المقاومة مع المؤامرات. ومنذ لحظة التوافد اليهودي على فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر، كانت الحركة الفلسطينية تتصدى بما تيسر لها للهجرة اليهودية. وكان استهداف المشرق العربي ومغربه للتقسيم بعد انهيار السلطنة العثمانية، شرطاً لازماً لنشوء الدولة – الجرثومة في الجسم العربي.
لا يمكن الحديث عن فلسطين من دون استدراج ذكر بريطانيا، رأس الحربة ورأس الأفعى في المؤامرات على العرب والمسلمين. واليوم وبعد مئة عام تتكرر حكاية الثعبان السام مع دولة أخرى هي الولايات المتحدة التي كانت تغدق آخر سمومها باعتبار القدس عاصمة للكيان الغاصب. وكما أنشأت بريطانيا الدولة العبرية، فها هي الولايات المتحدة تحاول أن تصفّي القضية الفلسطينية نهائياً عبر إعطاء الفلسطينيين بعض الفتات ليعيشوا أقلية ومجرد تابعين وخدم لدى الدولة العبرية خارج أية حقوق كشعب وهوية وكيان وتراث وثقافة واستقلال وحرية وكرامة. وما عمل «بلفور» على تحقيقه قبل مئة عام، يكرره اليوم دونالد ترامب ب«ختم التحقيق» في هذه القضية.
لقد فشل الفلسطينيون حتى اليوم في منع اليهود من تمدد دولتهم. وكان لسان حالهم أنه ربما ينجحون عبر تكرار تجربة غاندي السلمية، فطرقوا كل الأبواب، مفاوضات واجتماعات ونداءات وشكاوى إلى المؤسسات الدولية. ولكن النتيجة أن لا حياة لمن تنادي.
يريد المتآمرون على القضية الفلسطينية أن يجففوا في عروق الشعب الفلسطيني دم الحرية والانتفاضة والشرف. لكن يتبين أنه مهما قدّم الفلسطينيون من تنازلات فلن يرضى عنهم اليهود ولا غيرهم.
إن عقم مواجهة العدو بالوسائل السلمية فقط، بانت واضحة في العشرين سنة الأخيرة. خصوصاً أن المشروع الصهيوني مختلف بطبيعته الاستيطانية عن كل مشاريع الاستعمار الأخرى في العالم. ففلسطين ليست هند المهاتما غاندي، وليست فيتنام «هو شي منه»، وليست جزائر الدمج الفرنسي.
ينظر الفلسطينيون فيرون أرضهم تستلب، وأطفالهم يعرون ويجوعون ويُقتلون كالعصافير في الضفة وفي غزة، ونساءهم وبناتهم يرمى بهن في السجون، وشبابهم تعج بهم الزنازين ومعسكرات الاعتقال. ويلقي الفلسطينيون صرخة «وامعتصماه» فلا يجيبهم إلا الصدى. ومن بعد ذلك ما الذي يتبقى لهم سوى أن ينتفضوا حتى الرمق الأخير؟!
بيان المجلس المركزي الفلسطيني لا يبرئ تقاعس قادته ولا أعضائه وهو أشبه برمي إبرة في كومة قش. ولكن رب كلمة دافعة إلى يقظة، فما الذي ينتظره أصحاب القضية وأشقاء القضية وأبناء عمومة القضية؟

زر الذهاب إلى الأعلى