قضايا ودراسات

ما ورائيات نظام التشغيل

قال القلم: لقد أسرفت في الحديث عن الموسيقى؟ العالم العربيّ غارق في طوفان، وأنت تهذي بالفن، وترفع السقف إلى التأليف السيمفونيّ، وكأنه حمامة بيضاء في منقارها غصن زيتون، بينما العربيّ يئن: منقلب القامة أمشي.. مقموع الهامة أمشي.
قلت: لا حرج عليك، فأنت لا تدرك أغوار الكلمات وأبعاد رمزيّتها.العقل العربيّ يحكمه نظام تشغيل واحد، يسيّر به كل المجالات بطريقة واحدة، لهذا تأتي النتائج واحدة في جميع الميادين على اختلافها. الهبوط عام، لأن طريقة التخطيط والتنفيذ واحدة: أفكار مرتجلة تُملى، وإنجاز مسلوق بلا خبرة. عندما يعمل نظام التشغيل طبقاً لحسابات علميّة وسائلها ملموسة، وغاياتها مدروسة، تنهض جوانب الحياة العامّة كلها معاً من رقدة العدم. قال: هات سبل تحديث نظام التشغيل، ولا تكن مثل مايكروسوفت، تعترف بوجود المشكلة لديك، لكنها لا تساعدك على حلّها.
قلت: الموسيقى العربية «مونوفونية»، لحن واحد تؤديه الآلات أو المجموعة الصوتية على نحو واحد لا تميّز فيه لأحد. لا وجود لأداء نوتات مختلفة أو جمل متباينة تؤدّى معاً متوازية متزامنة. الأداء السياسيّ العربيّ هكذا تماماً، الكلّ يؤدي الشيء نفسه. نظام التشغيل لا يرى غير ضرورة أن تكون المجموعة مثل علب المشروبات الغازيّة. لا يستطيع العقل الموسيقيّ العربيّ تصوّر الآلات المختلفة تؤدّي أصواتاً أو جملاً لحنيّة مختلفة في آن. برمجيّة الدماغ العربيّ تهوى النمطيّة لا التنوّع المتناسق،والتعدّد المتوافق. لأنها ترى في ذلك انفلات الزمام والمقاليد، وهذه الصورة تجريد لتسيير الدواب والعربات. تطبيق الفكرة في الحياة العامّة يعطينا بالضبط حقيقة تفكير النظام العربيّ. أمّا الموسيقى السيمفونيّة، فهي «بوليفونيّة»، أي متعدّدة الأصوات، يحكمها التأليف القائم على علوم، منها التوافقات، التي تجمع درجات صوتيّة متوافقة تعزف متزامنة، وعلم الهارموني، الذي تؤدّى فيه جمل موسيقيّة مختلفة متناغمة في آن، وعلم التوزيع، وهو معرفة خصائص الآلات وأبعادها الصوتيّة ومدى جماليّة استخدامها وقدرتها على التعبير والتجاوب مع غيرها. كل ذلك يلغي الارتجال ومزالقه؛ لأنه يتضمّن البحث والتحقيق في الإبداع، ويقي العثرات. طبّق ذلك كلّه على الأداء في الإدارة والسياسة والاقتصاد والإعلام والتعليم وسائر المجالات، ستجد أن الحياة العامّة ستتحلّى بالمنهجيّة والتخطيط المتقن والتنسيق العلميّ مع نسبة عالية من النجاح المتوقع، فكل شيء قائم على العلم والمعرفة والكفاءة والخبرة بالتقنيات مع انضباط في مراحل الإنجاز.
لزوم ما يلزم: النتيجة النشازيّة: لهذا إذاً رأى نظام التشغيل أن رعود آلات ضبط الإيقاع تغطي الآلات غير المدوزنة والعزف الرديء.
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى