قضايا ودراسات

مخاطر الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»

ستيفن زيونس*

قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» يقلل من فرص السلام «الإسرائيلي»- الفلسطيني، ويثير تساؤلات خطيرة في ما يتعلق بالقانون الدولي، ومخاطر حدوث ردّ فعل عنيف ومزعزع للاستقرار، يستهدف مصالح الولايات المتحدة في العالم.
أعلن الرئيس ترامب يوم الأربعاء، 6-12، أن الولايات المتحدة سوف تعترف رسمياً بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» وأن السفارة الأمريكية سوف تُنقل إلى تلك المدينة المتعددة الأعراق والديانات. ولا تعترف أي حكومة أخرى في العالم رسمياً بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، أو تقيم سفارتها هناك، بل تحتفظ بمكاتبها الدبلوماسية في «تل أبيب».
ويُقرّ المراقبون الذين لهم دراية بهذه القضية المتفجرة، بأن القرار يقلل من فرص السلام «الإسرائيلي»- الفلسطيني، ويثير تساؤلات خطيرة في ما يتعلق بالقانون الدولي، ومخاطر حدوث ردّ فعل عنيف ومزعزع للاستقرار، يستهدف مصالح الولايات المتحدة في العالم.
في خطة الأمم المتحدة للتقسيم عام 1947، كان يُفترض تقسيم فلسطين بين دولة يهودية ودولة عربية، وتخصيص القدس والمناطق المحيطة بها باعتبارها منطقة دولية تحت إدارة الأمم المتحدة. وبدلاً من ذلك- ونتيجة لأول حرب عربية- «إسرائيلية»- كانت «إسرائيل» بحلول عام 1949 قد ضمت الجزء الغربي من المنطقة، وضم الأردن الجزء الشرقي، ولكن المجتمع الدولي رفض الاعتراف بالخطوة «الإسرائيلية». وفي أعقاب حرب عام 1967، ضمت «إسرائيل» القدس الشرقية المأهولة بالفلسطينيين، والأراضي المحيطة بها أيضاً.
وعلى الرغم من أن إعلان ترامب لم يعترف صراحة بضمّ «إسرائيل» للقدس الشرقية المحتلة، فإن «الإسرائيليين» يُصرون منذ زمن طويل على أن الاعتراف بالقدس عاصمة لهم يعني الاعتراف بسيطرتهم الحصريّة على المدينة بكاملها.
ولا تعترف أي حكومة خارج «إسرائيل» بهذا الضمّ غير القانوني أو تؤيد فكرة توحيد القدس تحت السيادة الحصرية «الإسرائيلية». حتى الآن.
وليست المعارضة (الأمريكية) شبه التامة لقرار ترامب من قِبل كثيرين في الجيش، والاستخبارات، ومؤسسة السياسة الخارجية، نابعة من الحرص على مصير الفلسطينيين أو القانون الدولي. بل إنهم يخشون أن يثير الاعتراف عملياً بالسيطرة «الإسرائيلية» الحصرية على ثالث الحرمين الشريفين في الإسلام، ردّ فعل عنيفاً في جميع أنحاء العالم الإسلامي. فرجال الدين السلفيون، وغيرهم من المتطرفين الإسلامويّين، استناداً إلى قرون من السخط الذي يعود إلى الاستيلاء على القدس من قِبل الصليبيين قبل ما يقرُب من ألف عام، سوف يستغلون على الأرجح الغضب الشعبي من القرار للحث على القيام بهجمات عنيفة، بما في ذلك الإرهاب، الذي يستهدف مصالح الولايات المتحدة.
وإعلان ترامب، هو في واقع الأمر تتويج لسنوات من الضغط من جانب أغلبية كبيرة من كلا الحزبين في الكونجرس، ومن قِبل قادة الحزبين السياسيين، تجاه البيت الأبيض. ويمثل الإعلان تنفيذاً لـ«قانون سفارة القدس عام 1995»، الذي يفوّض الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس، على الرغم من أن القانون يسمح للرئيس بالتنازل عن هذا المطلب كل ستة شهور إذا ارتأى أن ذلك في المصلحة الوطنية.
وفي مجلس الشيوخ، كان مشروع القانون قد حظي برعاية أعضاء ديمقراطيين بارزين في المجلس، مثل جو بايدن، وجون كيري، ولم يصوّت ضدّه إلاّ ديمقراطي واحد (هو الراحل روبرت بيرد). وفي مجلس النواب، لم يُصوّت برفض القانون سوى 30 من 204 ديمقراطيين، بالإضافة إلى رجل الكونجرس المستقل آنذاك، بيرني ساندرز.
ومنذ ذلك الوقت، كان كل رئيس يستغل ذلك التنازل لمنع مثل تلك الخطوة الاستفزازية، على الرغم من استمرار الضغط من جانب أعضاء كلا الحزبين في الكونجرس. وفي وقت قريب لا يتجاوز شهر يونيو/ حزيران الماضي، وبعد أيام فقط من إصدار ترامب تنازله الأول عن هذا المطلب، صوّت مجلس الشيوخ بنسبة 90 إلى صفر، لصالح قرار يعيد توكيد قانون 1995، ويدعو الرئيس ترامب «إلى الالتزام ببنوده». وكان من بين الراعين أعضاء ديمقراطيون بارزون مثل زعيم الأغلبية تشاك شومر، وبن كاردِن، وهو من كبار الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية، بالإضافة إلى تامي بالدوين، وكيرستين جيليبراند، وكوري بوكر، ورون وايدن. وقد حثّ شومر ترامب علناً على نقل السفارة، وكان سابقاً قد انتقد تردُّده إزاء هذه المسألة.
ولا يرجع تأييد الأعضاء الديمقراطيين في الكونجرس وقادة الحزب لنقل السفارة، إلى مطالبة جمهور ناخبيهم بذلك. فقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن 81% من الديمقراطيين يعارضون نقل السفارة، بينما لا يوافق على ذلك سوى 15%. وتظهر استطلاعات الرأي أنه لا يوجد تأييد قوي لمثل تلك الخطوة بين اليهود الأمريكيين، كذلك. وهذا مثال صارخ على الكيفية التي تحيد بها القيادة الديمقراطية والمندوبون في الكونجرس، عن رغبة ناخبيهم بشأن قضايا رئيسية في السياسة الخارجية.
وعلى مدى عقود، ظلت البرامج الحزبية الجمهورية والديمقراطية على حدّ سواء، تنادي بالاعتراف بالقدس، عاصمة «إسرائيل» غير المقسّمة. ولم يُقرَّ أي حزب بأن القدس هي المحور التجاري، والثقافي، والتربوي والديني للحياة الفلسطينية.
في عام 2012، انتهك عمدة لوس انجليس وقتئذٍ، والمرشح لمنصب حاكم كاليفورنيا حالياً، انطونيو فيلاريجوسا، قواعد الحزب بإقحام تعديل على برنامج الحزب الديمقراطي يعترف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» دون توفر شرط غالبية الثلثين. وفي البرنامج الحزبي لعام 2016، نجحت المرشحة هيلاري كلينتون- المدافعة عن نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس- في إدخال صياغة لغوية تعلن أن القدس ينبغي أن تظل العاصمة لـ«إسرائيل»» بينما تجنبت مرة أخرى، قول أي شيء عن الهموم الفلسطينية.
إن خطوة ترامب الخطيرة والاستفزازية بشأن القدس – مثل العديد جداً من سياساته اللامبالية سواء في الخارج أو في الداخل- تتطلب معارضة قوية واسعة النطاق. ومن المؤسف، أنه على الأقل في هذه الحالة، لا يوجد حزبُ معارضة حقيقي.

*أستاذ السياسة ومنسق دراسات الشرق الأوسط في جامعة سان فرانسيسكو.
موقع: «ذي بروجريسيف»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى