مقالات عامة

مفاجأة السفينة العربية

عبد اللطيف الزبيدي

السؤال الأعظم: هل يوجد عربيّ واحد لديه أدنى تصوّر، لا رؤية ولا فكرة، عن مستقبل العالم العربيّ؟ طريف أن تسأل بينما الكعكة منهوشة، وخرائط التقسيم مفروشة، وكل نسر على الفريسة نافش ريشه.
ظاهر الأمر يبعث على الإحباط، لكن الحقيقة ليست بهذه البساطة في فهم التحوّلات التاريخيّة. المسألة التي لا يدرك النظام العربيّ مفاصلها، هي أنه يتوهّم أنه ممسك بخيوطها ويقود السفينة، بينما الأيدي الخارجية تقوده إلى حيث ستصطدم الباخرة العملاقة بجبل الجليد. لكن المفاجأة الآتية التي تخبّئها الأقدار وفلسفة التاريخ، على طريقة: «أكاد أخفيها»، تعمى عنها الأبصار التي لا بصيرة لها.
الألعاب التي كان العالم العربيّ ضحيتها قصص أهوال. الأخيرة تذكّرنا بما رواه الأنثربولوجيّ الكبير «رالف لينتون» في كتاب «شجرة الحضارة»، عن الإسكيمو الذين يسمّرون في الجليد شفرة صقيلة لمّاعة، فيأتي ذئب فيداعبها بلسانه فيسيل منه الدّم، فتشتمّه الذئاب فتهجم عليه، فتتناهش، وفي الصباح يظفر الأهالي بقطيع ميّت، فيه ثروة من الجلود. ظاهر الأمر أن المخططات الفتنويّة نجحت إلى حدّ بعيد، بقي أنها ليست الفصل الأخير ولا الخاتمة. الشواهد والإشارات تعمى عنها الأبصار التي لا بصيرة لها. القوّة المتعالية، من منطلق النظر إلى الخرائط بعين الغاب وموازين السيطرة ومعادلات الاستيلاء، تتعامل مع الشعوب والأمم كما لو كانت مجموعات فرائس خلقت للاستهلاك، لا غير. الأرنب للثعلب، والغزال للذئب والثور للضرغام. عند انهيار القيم في السياسة العالمية، يداس القانون الدوليّ وتُهان المنظمات الكبرى، وتُلغى سيادة البلدان قسراً فلا أحد يجرؤ على الكلام. لكن فلسفة التاريخ لا تفهم هذه الغطرسة.
حين قال كيسنجر: «إنّ من لا يسمع طبول الحرب، فهو أصمّ»، كان غافلاً عن أن نهاية المعمعة ليست بالضرورة هي الخاتمة التي يحلم بها. كان تقديره قائماً على معايير الحجم والكتلة والوزن والسرعة والطاقة وما إليها. هذه مقاييس فيزيائيّة من الطبيعة وإليها، ولكن الكون تحكمه قوانين أخرى هي بمثابة القيم التي تنظم النظام العامّ، وإلّا فما معنى وجود قيم كالحق والعدل والتوازن؟ لولا ذلك لانهار النظام كله، وأحرقت الشموس كواكبها وانعدمت الحياة. فلسفة التاريخ هي الأخرى فيزياء. من هنا كل الدلائل الظاهريّة تبرهن على أن السفينة العربية متجهة نحو الاصطدام بجبل الجليد، النهاية الفاجعة، لكن المفاجأة التي لا تراها عين القوّة المتجبّرة، هي أن السفينة العربية هي التي سيتصدّع لها الجبل الجليديّ.
لزوم ما يلزم: النتيجة العكسيّة: من لا يرى صدق فلسفة التاريخ فهو أعمى.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى