قضايا ودراسات

ندوة أم احتفاء؟

خيري منصور

أحياناً تكشف سلسلة من المفردات المتداولة عن منسوب الوعي يحتاج إلى إعادة نظر، فالصواب لا يستمد شرعيته من مجرد التكرار، والمسألة أشبه بالنقاط والحروف، حيث غياب حرف واحد عن حرف في نفس الصفحة يحوّل النص إلى سطور صماء.
ورغم وجود قواسم مشتركة كثيرة لدى أقطار عربية عاشت تجارب بها قدر من التشابه في أنماط الإنتاج، والتاريخ التراكمي للحراكات الوطنية، إلا أن التفاصيل أحياناً تقلب المائدة، لأن التشابه الخارجي يخفي اختلافات، أتيح لها في الأعوام الأخيرة أن تعمّق نقاط الافتراق في المناهج على الأقل. ومعظم الندوات السياسية والفكرية التي عقدت في الأعوام الأخيرة، بدءاً من تونس والقاهرة إلى بغداد وإسطنبول، حاولت بقدر الإمكان أن تعثر على إطار أو سياق تاريخي واجتماعي يوحّد الأسئلة ويقارب بين الأطروحات، لكن الاستراتيجيات الخارجية ذات المصالح في تشتيت المواقف والعمل على الحيلولة دون تناغمها غالباً ما انتهى إلى وفرة الجعجعة والسجالات العقيمة على حساب الطحن. وليس بالضرورة أن يكون سبب الإرباك قصور المحاولات، فالفائض من التحرّك النظري قد يؤدي إلى هذا، لأننا نعيش في عالم مضطرب حتى بلغة السياسة السائدة، واقتراحات الهواة من الأسطرنجيين التي لا يتسع الوقت ولا مجال للرفاهية فيه، لاستعراضها، وما يقال من أمثال عن إفساد الطبخة لكثرة الطباخين به الكثير من الحقيقة، لأن لكل طباخ تصوره الخاص لمهنته.
خلال أقل من خمسة أشهر في العام الماضي، شهدت ثلاث عواصم في الإقليم ندوات تحمل عناوين متقاربة، وما تغير فيها هو فقط أسماء المشاركين، وكان لكل منهم سيرته السياسية الخاصة خلال عقود من تحركاته ومشاركته، لكن المفاجأة كانت أن تبدل أسماء الشخوص لم يغير من المشهد شيئاً، وكأن هناك رغبة لدى من يعقدون هذه الندوات ألا تبدو متناقضة، وأن غياب الاختلاف سيؤدي بالضرورة إلى اختزال الوقت والتسريع في الخروج من المجرد إلى المحسوس ومن التوصيف المشهدي إلى الممارسة.

khairi_mansour@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى