قضايا ودراسات

وادي الفرات السوري

محمد نور الدين
لفت في التطورات الأخيرة في سوريا سرعة التقدم الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات العصب الكردي من مدينة دير الزور.
ففي وقت استغرق وصول قوات النظام وحلفائه أسابيع وأشهراً من المعارك مع تنظيم «داعش»، من بعد السيطرة على مدينة تدمر، وفي ظل الدعم الجوي الهائل من روسيا ومن الطيران السوري، وفي وقت كانت قوات سوريا الديمقراطية تعاني الأمرّين في محاولة السيطرة على مدينة الرقة، وفي وقت لم تسقط بعد المدينة بكاملها كانت هذه القوات «قسد» تصل فجأة إلى مشارف دير الزور الشمالية الشرقية.
يطرح هذا السؤال الأساسي عن الخريطة المحتملة لمنطقة دير الزور وشمال سوريا عموماً، من دون أن يعني ذلك نهائيةَ هذا الاحتمال.
وفي متابعة للخريطة، فإن قوات النظام كانت تعيد السيطرة على المناطق الواقعة جنوب مجرى الفرات من الغرب في اتجاه الشرق وصولاً إلى ديرالزور. فيما كانت القوات الكردية المدعومة أمريكياً، تتقدم في المسار نفسه لكن شمال مجرى الفرات من الشرق إلى الغرب.
حركة القوات من الطرفين كانت ترسم خط تماس بينهما على امتداد مجرى الفرات، وهو الأمر الذي لم يستكمل بعد في انتظار طرد «داعش» من مدينتي الميادين والبوكمال على ضفة الفرات وصولاً إلى الحدود العراقية.
الأمر يبدو على أنه تطهير منظم لمنطقة شمال الفرات من أي وجود لقوى النظام، علماً أنه يتبقى بعض وجود له في القامشلي والحسكة.
لا يمكن أن نضع الأمر كمواجهة بين النظام وبين الأكراد. فالوجود الكردي في شمال سوريا منحصر في مناطق محددة ومحدودة من القامشلي إلى كوباني وعفرين، في حين أن المناطق التي سيطر عليها الأكراد من خلال قوات سوريا الديمقراطية تقع خارج مناطق «الهوية» الكردية الخالصة، من الرقة إلى منبج فشمال دير الزور، وصولاً لاحقاً ربما إلى الميادين. وهي مناطق غير مشمولة حتى بالانتخابات المحلية التي يريد أكراد سوريا إجراءها في القامشلي – كوباني – عفرين نهاية هذا الشهر. وهو ما سيضع المشروع الكردي في سوريا أمام تحديات المشروعية الجغرافية والقومية.
في الواقع هذا ينقل الحديث إلى المستوى الآخر من العمليات العسكرية في سوريا، وهو محاولة الولايات المتحدة رسم حدود داخلية وخارجية في الوقت نفسه في سوريا.
فمحاولة إعطاء وضع خاص للمناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا تم تجاوزها من خلال السيطرة على مناطق غير كردية، كما مناطق تتعدى الرغبة الكردية. وهذا يطرح تحدياً أمام مشروعية المشروع الكردي خارج مناطق الوجود الكردي.
الانخراط الكردي في العمليات العسكرية بعيداً عن المناطق الكردية من الرقة إلى ديرالزور والميادين، لا يجد تفسيراً مقنعاً سوى أن جانباً من المشهد العسكري والسياسي من الحركة الكردية أصبح أداة بيد الأمريكيين وأكبر من طاقة الأكراد على الاعتراض، ويأخذهم إلى أهداف لا تخدم المشروع الكردي، وتضعهم في مواجهة راهنة وعلى المدى البعيد مع فئات متعددة في المجتمع السوري من عرب وتركمان. وبدلاً من أن ينعم الأكراد بأهداف معقولة وقابلة للتحقق واستقرار سياسي وأمني، فإن الولايات المتحدة تأخذهم إلى خرائط تحاول أن يكون مجرى الفرات حداً جنوبياً وغربياً لها، وصولاً إلى الحدود العراقية، فيما تترك عفرين لترتيبات مختلفة.
وعلى رغم تراجع الحرارة العسكرية في المشهد السوري عن السابق، لكن الاحتمالات قائمة على أكثر من سيناريو في ظل التحكم الأمريكي- الروسي بحركة الميدان. ولكن حتى هذا السيناريو قد يكون معرضاً لمفاجآت مرتبطة بوضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الداخل الأمريكي، ومدى قدرة أو قابلية أو امتلاك واشنطن لتصور واضح لما تريده في سوريا أو العراق. وفي حالة انقلاب التوازنات مرة أخرى، فإن الأكراد قد يدفعون ثمن ذلك غالياً، وهو ما يجب تلافيه منذ الآن بما يحفظ وحدة سوريا.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى