قضايا ودراسات

آفاق سلام في أفغانستان

كون هالينان *

الأنباء عن محادثات مباشرة عقدها الأمريكيون مؤخراً مع حركة طالبان الأفغانية توحي بأن أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة ربما وصلت إلى منعطف حاسم. ولكن الطريق إلى السلام لا يزال كثير الصعاب ومزروعاً بمسائل متفجرة، على غرار الطريق الرئيسي المزروع بالكثير من المتفجرات بين العاصمة كابول ومدينة قندهار.
يبدو من الواضح أن الحرب المستمرة منذ 17 سنة قد وصلت إلى لحظة حاسمة.
في الوقت الراهن، تسيطر طالبان على أراضٍ أكثر من أي وقت منذ الغزو الأمريكي في 2001، في حين أن الجيش الحكومي الأفغاني يتعرض لأكبر خسائر بشرية سجلت خلال الحرب، ويواجه صعوبة كبيرة في تجنيد عناصر بديلة.
وعلى الرغم من قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي بزيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان، مع زيادة الدعم الجوي لها، إلا أن الوضع على الأرض هو الآن أسوأ مما كان في 2017. وقد لخص وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون مأزق الحرب في تصريح موجه إلى طالبان قائلاً: «أنتم لن تحققوا نصراً في ميدان القتال. ونحن قد لا ننتصر في الحرب، ولكن أنتم أيضاً لن تنتصروا».
وعلى كل حال، كانت حركة طالبان، مثلها مثل أي حركة تمرد قوية، تعرف دائماً أنها لن تحقق انتصاراً في ميدان القتال، ولكنها كانت ولا تزال تعرف أيضاً أنها لن تخسر الحرب، الأمر الذي يجعل الحرب في مأزق، وهذا سوف ينهك خصومها في النهاية.
وفي الواقع، كانت الأمور تتحول من سيئة إلى أسوأ بالنسبة للقوات الأمريكية – الأطلسية، في حين أن الحكومة الأفغانية لم تكن تضطلع يوماً بدور مهم في الحرب. وفي عام 2015، اعتمدت طالبان استراتيجية جديدة لا تركز على ميادين القتال، وإنما على كسب ود وتأييد الأفغان العاديين.
هذه الاستراتيجية وضعها زعيم طالبان السابق الملا أختر محمد منصور (الذي توفي في مايو/ أيار 2016) بعد أن تولى قيادة الحركة إثر وفاة مؤسسها وزعيمها الملا عمر في 2013. وبموجب هذه الاستراتيجية، توقفت حركة طالبان عن تفجير وإحراق مدارس، وأخذت تعمل لتوظيف أنصار لها في هذه المدارس. وبدلاً من مهاجمة جنود الجيش وأفراد الشرطة، أخذت طالبان تعقد اتفاقيات غير رسمية لوقف إطلاق النار في مناطق محددة. كما شكلت طالبان في مناطق سيطرتها محاكم، وأخذت توفر خدمات صحية وتعليمية؛ من أجل كسب ود السكان.
كما عمل منصور لتوسيع قاعدة التأييد الشعبي لحركة طالبان، وهي حركة كانت تضم أساساً مقاتلين من جماعة البشتون العرقية، بحيث أصبحت تضم أيضاً مقاتلين من جماعتي الطاجيك والأوزبكيين. وبالفعل، أصبح مجلس قيادة طالبان يضم شخصيات من الطاجيك والأوزبكيين.
يذكر أن الشعب الأفغاني يتكون من 40 % من البشتون، و27 % من الطاجيك، و10 % من جماعة الهزارة، و10 % من الأوزبكيين.
وليس معروفاً بدقة كم من الأراضي تسيطر عليها طالبان حالياً. ويدعي حلف الأطلسي أن الحكومة الأفغانية تسيطر على 56 % من أراضي البلاد، بينما تسيطر طالبان على 14 % فقط.
وأحد أبرز مظاهر الوضع الحالي في أفغانستان هو أن الشعب الأفغاني أصبح يتوق إلى السلام، بعد أن أنهكته سنوات الحرب والقتال والدمار.
كما أن حكومة كابول وطالبان أصبح لديهما عدو مشترك واحد، هو تنظيم «داعش»، الذي لا يعتبر الآن لاعباً رئيسياً في أفغانستان، إلا أنه يزداد قوة باطراد.
والأهم من كل ذلك هو أن باكستان، وإيران، وروسيا والصين أخذت في الآونة الأخيرة تجري محادثات بينها حول بلورة استراتيجية من أجل إنهاء الحرب في أفغانستان. وهذه البلدان لها مصلحة كبرى في إنهاء الحرب الأفغانية، التي تشكل منبتاً للإرهاب. فعلى مدى السنوات الأخيرة، تعرضت هذه البلدان لأعمال إرهابية، وهي تعرف أن القضاء على هذا الإرهاب يقتضي إنهاء حرب أفغانستان.

* كاتب ومعلق سياسي يكتب في موقع «فورين بوليسي إن فوكس» ( https://fpif.org )

زر الذهاب إلى الأعلى