أحداث ملبورن
صادق ناشر
من جديد، عاد الإرهاب؛ ليضرب في بقعة أخرى من العالم، وهذه المرة في أستراليا، التي شهدت، أول أمس، عملية دهس ضد مارة في مدينة ملبورن، واحدة من أشهر مدن البلاد؛ لتثبت هذه الواقعة حقيقة أن الإرهاب لم يعد ظاهرة تخص دولاً بعينها، بقدر ما هو خطر تمتد آثاره من الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا وصولاً إلى آسيا وأستراليا، التي ظلت إلى حد ما بعيدة عن ضربات الإرهاب وآثاره المدمرة.
الواقع أن الإرهاب لم يعد محصوراً في دول بعينها، بقدر ما تحول إلى خطر يهدد العالم بأسره، والتعامل مع خطره يجب أن يكون مقياس التحرك؛ بهدف القضاء عليه بشكل كامل، والقرارات الأخيرة، التي جرى اتخاذها من قبل بعض الدول تعد خطوة في إطار التعاطي الحازم مع الإرهاب ومفاعيله؛ لكنها ليست كافية للقضاء على خطره.
يراهن الكثير من المراقبين على دور أكبر في الفترة المقبلة على صحوة في العالم العربي؛ لإدراك مخاطر الإرهاب وآثاره على الحياة العامة، خاصة في إطار القرارات، التي بدأت دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذها خلال الأشهر القليلة الماضية؛ ذلك أن القضاء على الإرهاب لن يكون ممكناً إلا إذا تعاطى معه الجميع بروح واحدة، بعيداً عن الابتزاز، والإقلاع عن الدعم، الذي توفره بعض الجهات إذا ما أُريد التخلص من الإرهاب إلى الأبد، خاصة، وأن هذه الجهات تربط مصيرها ببقاء الإرهاب؛ لأنه ينشط مشاريعها التدميرية ويحولها إلى أدوات موت وقتل.
وما حدث في ملبورن الأسترالية، يوم أمس، هو تأكيد جديد على أن الإرهاب لا يعرف حدوداً، فهو عابر للقارات؛ لكن الذي يهمله الكثير، هو الدور الذي يقوم به الإعلام، والغربي منه بدرجة رئيسية؛ حيث ظل هذا الإعلام وعلى مدى العقود الماضية يربط بين الإسلام والإرهاب، وهو الربط الذي من شأنه أن يغيّب الحقيقة، ويقدمها بشكل غير صحيح للمواطن الغربي. صحيح أن هناك من ينتمي إلى الإسلام؛ لكن من المؤكد أن هناك من مواطني الدول الغربية من يقوم بمثل هذه الأعمال وأكثر، وقد شكلت الكثير من الجرائم الإرهابية، التي تم ارتكابها في أوروبا والولايات المتحدة، من بينها جريمة لاس فيجاس، التي ارتكبها مواطن أمريكي؛ لتؤكد أن الإرهاب لا دين له، وأن المجرمين موجودون في كل مكان، وأن إلصاق تهمة الإرهاب بدين محدد وجنسيات بعينها يفقد المصداقية عند الحديث عن الإرهاب وجرائمه.
واقعة ملبورن، يجب أن تثير لدى مختلف الأطراف الدولية المخاوف من الكارثة، التي يسببها التغاضي عن التشخيص الحقيقي للإرهاب وأضراره وتأثيره على السلام العالمي، خاصة، وأن المتسببين في مثل هذه الأعمال ما زالوا غير مدركين للآثار التي تتركها عملياتهم الإرهابية على العلاقات بين الناس والدول معاً.
معالجة الإرهاب من جذوره؛ تتطلب البحث عن الأسباب الحقيقية، التي تغذيه، وأبرزها السياسة، التي تتبعها بعض الدول حيال بعض القضايا الساخنة، على سبيل المثال ما يحدث في فلسطين وميانمار والدول الفقيرة في إفريقيا، التي تتعرض للاستغلال وغيرها من القضايا، التي توفر وقوداً للعمليات الإرهابية في كل العالم.
sadeqnasher8@gmail.com