قضايا ودراسات

أدلجة الخرافة وتسويقها

خيري منصور
لو قيل لمن ودعوا الألفية الثانية وهم يطرقون باب هذا القرن ويبشرون بما ستنعم به البشرية من علم وسلام بأن هناك من يسخرون منجزات التكنولوجيا، وآخر مبتكراتها لصالح الخرافة لما صدقوا! وربما نعتوا من يقول ذلك بالجنون، وها نحن بعد ما يقارب العقدين من هذا القرن نرى ونسمع كلاماً كما لو أنه تسلل من القرون الوسطى، فالشعوذة والسحر الأسود أخضعت لتسويقهما وسائل اتصال، ومنابر مهنتها تضليل الرأي العام، واستبدال قضايا الواقع الساخنة والمصيرية بقضايا مفتعلة وخيالية!
وفقه الخرافة الآن لا يعتدي على الوعي والمنطق فقط؛ بل يتمدد إلى العلوم كالطب والجيولوجيا والفلك.
وما يثير الاستغراب هو الجرأة التي يمارس بها المشعوذون مهمتهم التي قد تكون في العمق سياسية وفكرية، ما دام الهدف الأبعد هو إبطال مفاعيل الثقافة وإحراف البوصلات، وفقهاء هذه الحرفة التي يمارسها العاطلون عن كل شيء باستثناء الدجل يجترحون المعجزات كما يزعمون، سواء تعلق الأمر بشفاء المرضى من أمراض خبيثة ومزمنة أو تحقيق الوصال للمحرومين.
أحد المشعوذين يعد زبائنه ممن ضلوا الطريق بأن يحل كل مشاكلهم سواء كانت صحية أو عاطفية أو اقتصادية في أقل من يوم واحد!
ومن هنا كان الابتزاز هو الأسلوب الأنجع لتسويق الخرافة، لكن الأخطر من ذلك، هو أدلجتها بمعنى ربطها بمرجعيات دينية وروايات ملفقة، ما يجعل هذه الجريمة مزدوجة؛ لأنها تعتدي على الأرض والسماء معاً، وإذا كانت الكتابة عن هذه الجرائم بحق العقل والتاريخ ومنجزات الأخلاق والعلوم مجرد حبر على ورق، وممنوعة من الصرف، فإن سماسرة هذه التجارة السوداء، ومحترفي تهريب الواقع لن يتوقفوا؛ لأنهم فقدوا الكوابح كلها، وجعلوا من الكسب غير المشروع الغاية التي تبرر الوسائل كلها!
أين الذين يهمهم الأمر سياسياً وثقافياً وعقائدياً من هذه الكوميديا السوداء؟ وكيف سيصلح العطار ما أفسدوا؟Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى