قضايا ودراسات

أزمة سير تركية

تكتب الروائية التركية «أليف شفق» في عملها السردي الجديد «بنات حواء الثلاث» عن أزمة السير الخانقة في مدينة إسطنبول، وتقول: «.. لقد توسعت إسطنبول على نحو لا سبيل إلى السيطرة عليه، وظلت تتمدد وتتوزع مثل سمكة ذهبية منتفخة، غير مدركة أنها التهمت ما هو أكبر من طاقتها على الهضم، ولاتزال تبحث من حولها عن مزيد لتأكله..»، وفي مكان آخر من الرواية التي تتحدث عن ثلاث نساء (مصرية، وإيرانية، وتركية) يراوحن بين التحرر والتدين والتناقض».. تقول «شفق» إن إسطنبول مدينة فيها الكثير من الوقت والوحوش والجنون.

زمن الرواية، كما جاء في العروض السريعة لهذا العمل السردي ينتهي في العام 2016، في حين أنه يبدأ في مطلع الثمانينات، وبكلمة تنتهي رواية أليف شفق، قبل الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل شهور، وكانت إسطنبول مسرح الانقلاب، وتحديداً فوق جسر «البوسفور»، حيث تم عطب الدبابات الانقلابية، بل تم إجهاض الانقلاب كله بواسطة «موبايل» الرئيس، الأمر الذي يشي بنوع من «السوبرمانية» التركية، على الطريقة الأمريكية، ولكن أليف شفق صاحبة «قواعد الحب الأربعون» لا تلجأ إلى هذه المكابرات والأكاذيب والمبالغة، سواء في السياسة أو في الحياة الاجتماعية والأدبية بل هي كاتبة رشيقة، وتبدو المرأة محوراً أساسياً في سردياتها التي غزت العالم العربي بشكل خاص بعد نقلها إلى العربية، لا بل إن ثمة روحاً «عربية» في روايات هذه المرأة الأربعينية الجميلة، ذات الأنوثة الجاذبة.
بدأت «شفق» إصدار الروايات في العام 1994، وتقترب الآن من 20 رواية، يغلب عليها الأناضول وإسطنبول من حيث المكان، وأكثر من ذلك، وفي إطار هذه الحركة الكتابية المنتظمة والأنيقة، فهي قريبة من «نوبل»، إذا تخلصت جائزة صانع الديناميت من الاعتبارات السياسية والإيديولوجية التي تحكمها في الكثير من الأحيان.
من المهم هنا، إسطنبول.. المتمددة والمتوسعة التي تبحث من حولها عن مزيد لتأكله.. المدينة المخنوقة بالمواصلات، والأسماء ذات الماركات العالمية، ثم أيضاً المدينة التي تتفلت منها الوحوش والجنون.. فهل ثمة إشارات سياسية تحملها رواية «شفق» الجديدة لا تخص المدينة المخنوقة بالمواصلات فحسب، بل، إشارات تحيل إلى تركيا (المتمددة، المتوسعة) النائمة على إرث عثماني عتيق انتهى إلى رجل مريض حقاً؟ إن إسطنبول الثمانينات، ليست إسطنبول 2016، بل تركيا كلها سياسياً واجتماعياً وثقافياً في الثمانينات ليست هي تركيا 2017.
من الشيزوفرينيا بين الانتماء للإسلام والاقتراب من العرب، وبين الانتماء لأوروبا والاقتراب من الثقافة الغربية.. إلى الشيزوفرينيا الإيديولوجية والعقائدية، إلى تقمص أدوار كبرى.. وأطماع وتوسعات.. وزحمة مواصلات بائسة، وأكثر من ذلك تقع في التوحش والجنون.. ليس روائياً فقط، بل ثقافياً، وأخلاقياً أيضاً.

يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى