أعداء ضروريّون
خيري منصور
يروي المؤرخ أرنولد توينبي حكاية طريفة حدثت له في سوق لبيع السمك، وكانت نقطة الارتكاز في نظريته المعروفة بالاستجابة والتحدي، فقد لاحظ أن هناك نوعاً من السمك عندما ينقل من مكان إلى آخر وهو حي يفقد مرونته، ويتصلب نسيجه إذا لم يوضع معه نوع آخر من السمك الذي يشتبك معه. وحاول توينبي تطبيق نظريته على مجمل أحداث التاريخ وخلاصتها أن التحديات تختبر منسوب المناعة والقوة. وقد يكون صاحب أطروحة صراع الحضارات صاموئيل هننتنجتون قد اطلع على ما كتبه توينبي عندما كتب مقالة في مجلة «الفورين أفيرز» الأمريكية، يقول فيها إن أمريكا لا تستطيع الحياة بلا أعداء وحين لا تجدهم تبحث عنهم حتى لو اضطرت إلى اختراعهم!
فبعد الحرب الباردة فقدت أمريكا العدو العملاق، وكان لابد من البحث عن أعداء جدد، فجاءت أحداث سبتمبر/ أيلول عام 2001، ليصبح الإرهاب هو العدو الجديد والبديل؛ ولأنه عدو للإنسانية كلها فإن هناك ما يشبه الإجماع الكوني ضده، ورغم تعدد أساليب وأدوات مواجهته تبقى الولايات المتحدة هي المايسترو.
إن نظرية التحدي والاستجابة التي اكتشفها توينبي من عالم الأحياء توجد أيضاً في الطبيعة ومن صلب كيميائها؛ حيث لابد من الصراع كي تستمر الحياة، وبأبسط الأمثلة فإن الكائنات كلها بما فيها الطيور على هذا الكوكب تخوض حرباً دائمة مع جاذبية الأرض، لهذا قيل ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع!
ولهذا لا تنفرد الولايات المتحدة في البحث عن أعداء، فالعالم كله يتعامل مع التسوناميات المدمرة، وفساد البيئة، وما طرأ على المناخ من تحولات على أنها أعداء، وهناك رواية بالعبرية ليائيل ديان وهي ابنة الجنرال موشي ديان بعنوان «طوبى للخائفين»، محورها باختصار أن التربويات الصهيونية تفترض دائماً وجود عدو، لهذا تعزف هذه التربويات على وتر الخوف.
وحين يصبح الخوف قاسماً مشتركاً بين كل الأفراد في مجتمع ما، فإن تأجيل انفجار التناقضات الداخلية يصبح ضرورة دفاعية، وربما لهذا السبب قال أرنولد توينبي صاحب نظرية «التحدي والاستجابة» عندما زار فلسطين لأول مرة بعد احتلالها، إن الدولة العبرية تخشى السلام أكثر من الحرب!Original Article