مقالات عامة

أقل من حرب باردة

خيري منصور

قد يكون توازن الرعب أحد أهم عناصر الحرب الباردة، لكنه ليس الحرب كلها، لأن لها أبعاداً ثقافية وإيديولوجية، وبالتالي لها أسلحة استراتيجية من طراز آخر، وما يبدو الآن كما لو أنه عودة الحرب الباردة بعد إعلان موسكو عن أسلحة نووية جديدة، ومنها صواريخ تصل إلى القطبين المتجمدين شمالاً وجنوباً، وغواصات غير مسبوقة من حيث القدرة على الوصول إلى أعماق المحيطات، كما لو أنه طبعة جديدة ومنقحة من الحرب الباردة هو في الحقيقة يقتصر على توازن الرعب، لأن روسيا الآن ليست الاتحاد السوفييتي إيديولوجياً، ولم تعد ملاذ الماركسية والحليف لكل اليسار في العالم أو ما تبقى منه بعد العولمة، فقد انصرف يساريون في العالم كله إلى أنشطة أخرى، منها حقوق الإنسان والدفاع عن البيئة، وما طرأ على المناخ من متغيرات تنذر هذا الكوكب بالخطر.
أما ثقافة الحرب الباردة وسجالاتها وأدبياتها التي كانت «دار التقدم» للنشر والثقافة في موسكو من أبرز أطرافها، فقد تغيرت من حيث الدوافع والهواجس والأهداف.
لكن من تضرروا بشكل أو بآخر من انتهاء الحرب الباردة لصالح قطب واحد هو الولايات المتحدة، لم تفارقهم نوستالجيا الحنين إلى تلك الأيام، فقد كان للحرب الباردة أيضاً بورصتها، ولدول عديدة من العالم الثالث تسعيرة سياسية، تدنت كما يحدث للعملات المحلية حين يشح غطاؤها الذهبي، خصوصاً أن الهامش بين القطبين خلال الخمسينات والستينات بالتحديد من القرن الماضي أتاح لدول أن تلعب على هذا الهامش، ثم انتهى المشهد إلى ما انتهى إليه، ولم تعد دراما من طراز تلك التي عاشها العالم في ستينات القرن العشرين حول خليج الخنازير وأزمته التي أوشكت على الانفجار قابلة للتكرار!
إن انحسار البعد الإيديولوجي لصالح البراغماتية السياسية، والمصالح الاقتصادية في العالم غيّر كثيراً من منظومة المفاهيم والمعايير، لهذا فإن توازن الرعب وحده ليس حرباً باردة، وبالتأكيد له اسم آخر!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى