أمريكا وأعباء الدفاع عن حلفاء أثرياء
تشارلز بينيا*
يتساءل كثيرون من الأمريكيين اليوم لماذا يتعين على الولايات المتحدة أن تتحمل القسط الأكبر من أكلاف الدفاع عن حلفاء أغنياء؟
يقضي مشروع الميزانية الأمريكية للسنة المالية 2018 بتخصيص حوالي 700 مليار دولار للبنتاجون. ومع ذلك، يعتقد بعض أعضاء الكونجرس أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تزيد إنفاقها العسكري. والمشكلة في موقفهم هي أن استراتيجيتنا الحالية هي أثر باقٍ من أيام الحرب الباردة وليست رؤية واقعية لتحديات القرن الواحد والعشرين.
لقد آن الأوان لفتح نقاش شامل حول ما إذا كان يتعين علينا إنفاق مليارات الدولارات الإضافية من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين من أجل فرض سيطرتنا على عالم يزداد تعقيداً – أو ما إذا كان يتعين علينا بالأحرى أن نتبع سياسة خارجية أكثر واقعية، وأقل كلفة، تعطي الأولوية لأمن الولايات المتحدة وتجعل حلفاءنا الأثرياء يشاركون بنسب أكبر في أكلاف حماية مصالحنا المشتركة.
إن السبب الحقيقي الذي يجعل الولايات المتحدة تنفق هذه المئات من مليارات الدولارات ليس الدفاع عن الوطن بمواجهة هجوم خارجي، وإنما الدفاع عن بلدان أخرى عبر العالم كما كنا نفعل إبان الحرب الباردة. ولكن الزمن تغير ونحن الآن في الزمن الحاضر. واليوم، العديد من تلك البلدان التي نتحمل الدفاع عنها أصبحت قوى اقتصادية غنية، مثل اليابان وألمانيا، وقادرة على الاضطلاع بقدر أكبر من مسؤولية الدفاع عن أراضيها.
واليوم أيضاً، الولايات المتحدة لم تعد تواجه قوة عظمى منافسة، مثل الاتحاد السوفييتي السابق. وروسيا اليوم ليست سوى ظل للاتحاد السوفييتي، وهي قوة اقتصادية ثانوية بالمقارنة مع الولايات المتحدة، حيث يبلغ حجم الاقتصاد الأمريكي اليوم 18،6 تريليون دولار، أي أكثر بعشر مرات من حجم اقتصاد روسيا. ومع ذلك، تنفق الولايات المتحدة على الدفاع أكثر بكثير مما تنفقه روسيا (69 مليار دولار في 2017).
ولا تزال روسيا تملك ترسانة أسلحة نووية عابرة للقارات مصوبة نحو الولايات المتحدة، ولكن هذه الترسانة تقلصت بصورة كبيرة جداً، من عشرات آلاف الرؤوس الحربية إلى حوالي 1500 رأس حربي استراتيجي، لتصبح مساوية لترسانة الولايات المتحدة، وذلك بفضل معاهدة «ستارت 2» الجديدة.
إضافة إلى كل ذلك، تتمتع الولايات المتحدة بموقع استراتيجي آمن، حيث يفصلها عن بقية العالم محيطان شاسعان، بينما لدينا جاران صديقان (كندا والمكسيك).
وخلافاً لما كانت عليه الحال إبان الحرب الباردة، فإن روسيا لم تعد تهدد بدفع فرق مدرعة لتغزو أوروبا، في حين أن حلفاءنا الأوروبيين أصبحوا أكثر من قادرين على الدفاع عن أوروبا.
وفيما يتعلق بتهديد كوريا الشمالية، فهي تترك شعبها يجوع لتنفق 10 مليارات دولار سنوياً على جيشها. غير أن اليابان وكوريا الجنوبية تنفقان أكثر بكثير على دفاعهما: اليابان تنفق 40 ملياراً وكوريا الجنوبية 20 ملياراً. علاوة على ذلك، حلفاؤنا في شرق آسيا أغنياء بما يكفي لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم، بينما كوريا الشمالية ليست سوى قزم اقتصادي. وتتفوق اليابان وكوريا الجنوبية اقتصادياً على كوريا الشمالية بنسبة 200 إلى 1، ما يعني أنهما قادرتان على مواجهة بيونج يانج وعلى مساعدة الولايات المتحدة في مواجهة القوة الإقليمية الصاعدة – الصين.
وإذا كانت الصين تطمح إلى أن تصبح نداً عسكرياً للولايات المتحدة، فهي لن تستطيع تحقيق ذلك قبل مضي عقود.
لقد تغير العالم، واستراتيجية الولايات المتحدة يجب أن تتغير. ويتعين علينا اليوم أن نطرح على أنفسنا أسئلة صعبة بشأن جدوى تحالفات دائمة تجعل القوات المسلحة الأمريكية ودافعي الضرائب الأمريكيين يضمنون الأمن لحلفاء أثرياء، بدلاً من بناء شراكات متكافئة.
وفي العالم المتغير اليوم، لم يعد من الضروري أن نكون شرطي العالم – ونحن لم نعد قادرين على تحمل الأكلاف الهائلة لمثل هذا الدور.
*باحث أمريكي متخصص في الشؤون الاستراتيجية في مركز دراسات «ديفانس برايوريتيز» (أولويات دفاعية)
(www.defensepriorities.com)Original Article