أمي حصة

شيخة الجابري
هي ليست أمي وحدي، وإنما أم جيل كامل عرِفها عن قُرب وأدرك عن محبّةٍ صادقة وخالصة، هي الشيخة حصه بنت محمد آل نهيان، رحمة الله عليها، والدة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ويعرف ذاك الجيل كيف أن «أم خليفة» هي نور مدينة العين وبهجتها، وكيف أن مجلسها العامر قد التقى فيه أبناء المدينة مجتمعين على الخير والمحبة والتواصل، وكيف غرست تلك الشخصية والقامة الإنسانية الفارعة قيم النبل والعطاء والوفاء والتراحم في نفوس أبناء العين بكافة شرائحهم، تلك القيم التي تعتبر منهجاً متكاملًا في فكر والدنا الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.
أقول أمي حصه صاحبةُ الفضلِ الكبير، وأتذكر بحرقة تلك الأيام التي كنتُ ألتقيها فيها، وذاك الحرص منها -رحمها الله- على أن تحتفي ببناتها طالبات مدارس العين التي تعرفها جيّداً حيث كانت تحضر بابتسامتها الرحيبة الاحتفالات الوطنية للمدارس وتصر على البقاء حتى انتهاء الاحتفال وتكريم الطالبات المتفوقات، أمي حصه هي منارة العين التي يسطع نورها عبر أجيال، تذكرها مدارسها، وشوارعها، ونخيلها، وماؤها، وهواؤها، وسماؤها، وقصرها العامر منزل الرحابة والمهابة، ومحبة الآخر، واستقباله بكل أريحية وبساطة وشفافية إنسانية أصيلة.
أمي حصه في مجلسها لا تفرّق بين إنسان وآخر، فكلهم أمام قلبها سواء، يحبها الصغير ويحترمها الكبير، في حضورها بهاء الطلعة، وفرحُ العيد، وهيبة المقام، وحنو القلب الرحيم العطوف، تشعر بأنها أمك بما تحمل من صدق المشاعر، وبما تحتويك به من احترام واهتمام، وإن غبت عنها فإنها تحرص على السؤال عنك، وتتفقّد من يغيب عن مجلسها حتى تطمئن عليه وعلى أسرته كذلك.
حينما تزورها وإنْ بعد مدة طويلة لا تستغرب أنها تعرفك فتسألك عن كل من حولك والدين وإخوة وجيران وأهل، وهذا ليس بغريب على شخصية أصيلة، ومعدن ذهب يعرف الناس ويحرص على التواصل معهم فلا ينقطع عنهم، ولا عن مدينته التي يحب، فقد كان يطيب لها رحمها الله التجوال بعض الوقت في مدينة العين لأنها تحب المدينة وأهلها، وتجد فيها راحتها ومتعتها، لذا يقع قصرها في قلب المدينة الخضراء، وفي قلوبنا كذلك يتربع ذاك المنزل العامر محبة صادقة وخالصة لشخصية استثنائية قلّ أن يجود الزمان بمثلها.
رحم الله تعالى تلك القامة العالية الغالية، وتلك الابتسامة الحبيبة التي تبكي فقدها أفئدتنا وعيوننا، ودام عزّ القصر بوجود من فيه، رحم الله تعالى «أم خليفه» مصدر الحب، والوفاء، «وصراي العين» الذي لن ينطفئ حيث روحها الحبيبة رحمها الله حاضرة في قلوبنا، وذاكرتنا، ودفاترنا المعتقة بعطرها الوارف، الوهّاج.
Qasaed21@gmail.com