أين جماعة الضغط العربية المسيحية في أمريكا؟
راي حنانيا*
لماذا لا توجد في الولايات المتحدة جماعة ضغط عربية مسيحية قوية؟ إنه سؤال نحتاج أن نجيب عنه، إذا كنا نأمل في أن نصحح ذات يوم، المفاهيم الخاطئة لدى الجمهور الأمريكي، ونقص معرفته حول فلسطين، والإسلام والعالم العربي.
عندما أعلن دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لـ«إسرائيل»، لم يكن يفعل ذلك لمجرد استرضاء الحكومة «الإسرائيلية». بل لاسترضاء قاعدة انتخابية مهمة في أمريكا، هي المسيحيون الإنجيليون.
وفقاً لمعهد بروكينجز، صوَّت أكثر من 81% من المسيحيين الإنجيليين لصالح ترامب، واعترافه بالقدس عاصمةً لـ«إسرائيل» ووعده بنقل سفارة الولايات المتحدة من «تل أبيب» إلى القدس، يساعد في الحفاظ على هذا الدعم.
ولكن العالم العربي تقاعس عن استخدام الورقة غير المكشوفة، الموجودة في يده، أو الميزة غير المكشوفة، المتاحة له في أمريكا. وتلك الميزة هي تزايد السكان العرب المسيحيين، الذين يشغلون مناصب نفوذ على كل مستوى في السياسة وعالم الأعمال.
والعرب المسيحيون في أمريكا مورد غير مستغل، ينبغي على العرب أن يُدركوه، ثم يتشاركوا معه.
والحقيقة هي، أنه عندما يستخدم معظم الأمريكيين كلمة «عربي»، يخلطون بينها وبين كلمة «مسلم». وقد عمِيَ الأمريكيون عن وجود عرب مسيحيين. وينبع ذلك العمى جزئياً من حملة «إسرائيلية» استراتيجية لتلفيق الادعاء بأن «إسرائيل» تدافع أكثر من العالم العربي، عن حقوق المسيحيين في الأراضي المقدسة.
ويأتي هذا العمى أيضاً من كون المسيحيين العرب في أمريكا والشرق الأوسط، مستبعدين على الأرجح من الأنشطة العربية التي تركز في معظمها على هموم المسلمين.
وكل محاولة للارتقاء بقضية حقوق العرب المسيحيين، يتم تهميشها واستبعادها من النقاش حول الشرق الأوسط والعرب الأمريكيين.
وتتجاوز القضية المسيحيين الإنجيليين لتشمل جميع المسيحيين في أمريكا، الذين يشكلون أكثر من 70% من السكان.
ويؤيد عامة المسيحيين الأمريكيين «إسرائيل» لا لأن التاريخ يدلّ على أن «إسرائيل» كانت جيدة للمسيحيين، بل لأن معظم المسيحيين الأمريكيين ليس لديهم فكرة عن أنَّ بين أولئك العرب الذين يتعرضون لوحشية «إسرائيل»، مسيحيين أيضاً.
فلماذا لا يستخدم العرب تلك الآصرة القوية للضغط على الأمريكيين لدعم الحقوق الفلسطينية والعربية؟ لأن الساسة والناشطين الموالين لـ«إسرائيل»، وحتى المسلمين المتطرفين، في أمريكا يعملون بجدّ لمنع أصوات العرب المسيحيين من أن تكون مسموعة.
إن غالبية العرب الذين يعيشون في الولايات المتحدة- 63%، وفق المعهد العربي الأمريكي- مسيحيون، ولكن لماذا لم يحتشدوا ككتلة تصويت ذات همٍّ مشترك، للضغط والتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية لتسليط الضوء على انتهاكات «إسرائيل» العديدة لحقوق الإنسان؟
يستمر مؤيدو «إسرائيل» في عرقلة الجهود الرامية إلى إدراج فئة «العرب» في التعداد السكاني في الولايات المتحدة. والسبب بسيط. في أمريكا، يمكن إضعاف قوة الجماعات العرقية من خلال منعها من معرفة قوتها الديموغرافية الحقيقية.
بموجب القوانين الأمريكية، تتلقى المجموعات العرقية والقومية المحددة في التعداد السكاني فوائد كثيرة، بما في ذلك الدعم المالي من خلال المنح لتعزيز ثقافتها وتراثها. وبمنع العرب من أن يُعَدّوا في الإحصاء، يُحرَمون من تلقي دعم اتحادي لبناء برامج أو حملات لتثقيف الأمريكيين حول حقيقة الشعب العربي الصحيحة.
ثانياً، يجري انتخاب الساسة لمناصبهم من المناطق على مستويات عديدة، تشمل الكونجرس، ومُشرّعي الولايات، ومفوّضي المقاطعات المحلية. وتتحدد هذه المناطق في جزء كبير منها بفعل وجود المجموعات العرقية والقومية. وإذا كان التعداد السكاني يعترف بتركيز كبير لإحدى المجموعات العرقية أو القومية في أي منطقة، تكون القوانين الاتحادية والمحلية ملزمة بالحفاظ على تماسك تلك الهوية العرقية أو القومية داخل منطقة التصويت. والفكرة هي الحفاظ على قوة التصويت للمجموعات العرقية وتعزيزها.
وباستبعاد «العرب» من التعداد، يتمكن الناشطون الموالون ل «إسرائيل» في الحكومة الأمريكية من منع الكثافات السكانية العربية من تلقي الدعم المالي ودعم التصويت. إنهم يعرفون أين نعيش، ولكن دون تعداد للتحقق من ذلك، يستطيعون تقسيم مجتمعنا، وإضعاف قوتنا التصويتية، وبالتالي إخماد أصواتنا.
إنّ لدى العرب المسيحيين صوتاً قوياً غيرَ مستغَلٍّ في أمريكا، ولكن ما مدى قوة المسيحيين العرب الأمريكيين؟ تشير التقديرات السكانية المستخلصة من قوائم الناخبين، إلى احتمال وجود ما يقارب أربعة ملايين عربي في أمريكا، على الرغم من أن التقديرات الرسمية للحكومة الأمريكية، تقلل هذا العدد إلى ما دون مليونين.
وتشير التقديرات السكانية أيضاً إلى أن هنالك 3.3 مليون مسلم في أمريكا. ولكن من ذلك العدد، حوالي 25% مسلمون فعلاً، أكبر مجموعة مسلمة في أمريكا هي الأمريكيون من أصل إفريقي، يليها الأمريكيون من أصول آسيوية.
وعند مقارنة هاتين الإحصائيتين، يمكن استنتاج أنّ الغالبية العظمى من أولئك الذين هُم عرب، مسيحيون.
وسوف يُخبرك معظم العرب المسيحيين دون تردّد، بأن المسلمين -على الرغم من بعض القضايا- هم أكبر المدافعين عن حقوق العرب المسيحيين. فلماذا لا نستخدم السكان الأمريكيين العرب المسيحيين، طليعةً لحملة اتصالات لإقناع الأمريكيين بحقوق الفلسطينيين، والتجاوزات التي تُرتكب ضد المدنيين الفلسطينيين والعرب في الشرق الأوسط؟
لماذا لا توجد جماعة ضغط عربية مسيحية قوية؟ إنه سؤال نحتاج أن نجيب عنه، إذا كنا نأمل في أن نصحح ذات يوم، المفاهيم الخاطئة لدى الجمهور الأمريكي، ونقص معرفته حول فلسطين، والإسلام والعالم العربي.
*صحفي، وممثل كوميدي، مسيحي عربي أمريكي
موقع: «يوراسيا ريفيو»