«إسرائيل» وإفريقيا وغياب الدور العربي
د. ناجي صادق شراب
تزداد الدبلوماسية «الإسرائيلية» تغلغلاً في القارة الإفريقية في إطار جهد متواصل للوصول إلى مواقع كان للعرب فيها تأثير ملحوظ.
ومنذ البداية تشكل إفريقيا ل «إسرائيل» منطقة للوثوب إلى العالم العربي. وهذا الاهتمام ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى ما قبل نشأة «إسرائيل» عام 1948، وتعود بجذورها لنشأة الحركة الصهيونية والبحث عن وطن بديل لليهود، وكان الحديث عن أوغندا، التي لم تلقَ القبول لأن الأساس هو التوجه نحو فلسطين. ولذا فإن اهتمام «إسرائيل» بإفريقيا مرتبط ببقائها وقوتها واستمرارها في قلب العالم العربي جغرافياً. وبقيت القارة الإفريقية منذ القرن التاسع عشر بؤرة اهتمام وأولوية سياسيه عليا ل «إسرائيل» لتتحول من فكرة الوطن البديل إلى قارة العمق الاستراتيجي والحزام الأمني الذي من خلاله يمكن تطويق العالم العربي وكسر أي مقاطعة عربية. وهذا الاهتمام جاء في كتاب «صهيون في إفريقيا» الذي وجه فيه جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات البريطانية في القرن التاسع عشر اهتمام هيرتزل بالتحرك نحو شرق إفريقيا.
مرت العلاقات الإفريقية – «الإسرائيلية» بمراحل متعددة صعوداً وهبوطاً وصولاً لدرجة من الشراكة والتحالف الواسعة. فمن مرحلة التأسيس والتشكل التي تمتد من 1948 إلى 1967، والفترة التي برز فيها دور حركة عدم الانحياز وظهور قيادات إفريقية مثل نكروما وسيكوتوريه، ودور مصر بقيادة الرئيس عبد الناصر، ثم مرحلة التقهقر من 1982 إلى 1991، وصولاً إلى مرحلة الأبواب المفتوحة التي بلغت ذروتها عام 2002، وحالياً مرحلة الشراكة والتحالف، والتي تبرز في العديد من زيارات القيادات الإفريقية ل «إسرائيل»، وزيارات نتنياهو لعدد من دول القارة الإفريقية ولقاء القمة بين «إسرائيل» وقادة الدول الإفريقية الذي كان مقرراً أواخر العام الحالي وتقرر تأجيله.
زاد الاهتمام بالقارة الإفريقية بعد مرحلة الاستقلال وتحرر الدول الإفريقية من الاستعمار، ودخولها الأمم المتحدة كتلة تصويتية يحسب لها حساب، وقادرة على إنجاح أو إفشال أي قرار في الأمم المتحدة، وهذا أحد أهم محددات وأهداف السياسة الخارجية «الإسرائيلية» الحصول على التأييد السياسي لإفريقيا في الأمم المتحدة لإحباط أي جهد دبلوماسي عربي وفلسطيني في المنظمة الدولية، ومحاولة فرض الرؤية «الإسرائيلية» للسلام على الدول العربية.
الهدف هنا واضح ويتمثل بإجهاض الشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية. ولا تتوقف أهمية إفريقيا في قوتها التصويتية في الأمم المتحدة، فالقارة تشكل سوقاً اقتصادية واسعة أمام المنتجات «الإسرائيلية» الاقتصادية والعسكرية. وتحاول «إسرائيل» أن تسوّق نفسها في قلب القارة الإفريقية، مما يهيئ لها تشكيل تحالف جديد مع دول القارة، وتفكيك أي تحالفات مع الدول العربية. وتدرك «إسرائيل» الأهمية الاستراتيجية للقارة مائياً وخصوصاً بالنسبة لنهر النيل وأهميته لمصر والسودان، وهذا ما يفسر لنا العلاقات «الإسرائيلية» مع إثيوبيا، ودعم دولة الجنوب في السودان لتشكل منطقة وثوب وتغلغل إلى قلب القارة الإفريقية. وتدرك «إسرائيل» أهمية القارة في التحكم بالملاحة البحرية وخصوصاً في باب المندب والبحر الأحمر، وهذا ما يفسر لنا أيضاً العلاقات مع دول شرق إفريقيا والهدف واضح وهو إضعاف التأييد الإفريقي للقضايا العربية. وإلى جانب ذلك هناك الأهمية الاقتصادية والتجارية لإفريقيا والتي كانت وراء استعمار أوروبا للقارة.
وتعتمد «إسرائيل» في علاقاتها مع الدول الإفريقية على حاجتها للتكنولوجيا في مجال الزراعة، والطب، والسلاح، وكلها مغريات قوية لدعم علاقتها بالدول الإفريقية، وتقديم المساعدات العلمية والتدريسية، وكل هذا بهدف تطويق الدول العربية في عمقها الإفريقي، وحرمانها من دعم القارة السوداء الذي ظل مستمراً في خمسينات وستينات القرن الماضي. ولا شك أن التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية، وتراجع القضية الفلسطينية، ومعها الدور العربي بعد ما يسمى «الربيع العربي» وما خلفه من انشغالات وانقسامات وحروب داخلية، كل ذلك منح «إسرائيل» الفرصة لتقديم نفسها للدول الإفريقية التي تحتاج المساعدات في المجالات التي تتفوق فيها «إسرائيل».
هذه الاستراتيجية التي تنتهجها «إسرائيل» تجاه إفريقيا تحتاج إلى تحرك عربي وإسلامي ممنهج ومدروس من قبل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وتحتاج إلى تحرك دبلوماسي نشط من قبل مصر، باعتبارها الدولة المحورية والمركزية في قلب القارة.
لا ينبغي للدول العربية الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية مثل مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان والصومال وجيبوتي، أن تترك القارة الإفريقية ساحة مفتوحة للدبلوماسية «الإسرائيلية»، فالقارة الإفريقية بكل معايير القوة تشكل عمقاً استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً للأمة العربية.
drnagish@gmail.com