إعلام النقائض
خيري منصور
لم يكن في زمن شعراء النقائض فضائيات أو حتى صحافة بالمعنى الحديث، لهذا تولّوا المهمة كلها، تماماً كما تولى شعراء العرب في الجاهلية مهمات إعلامية تليق بتلك المرحلة، فكان الهجاء أشبه بوجه آخر مضاد للمديح، ويقال إن القبائل كانت تدق الطبول وتعلن الأفراح حين يولد فيها شعراء يتولون الدفاع عنها ورفع شأنها!
فما الذي تغير بعد كل تلك القرون؟ وهل أحدثت التكنولوجيا ومنجزاتها تغييراً جذرياً في الرؤى والمقاربات؟
إن الإجابة عن سؤال كهذا قد لا تكون مباشرة أو حدية بنعم أو لا، والأفضل هو الاستشهاد بفضائيتين عربيتين، إحداهما تنطق باسم نظام والأخرى تنطق باسم المعارضة، وحين نرصد ما يصدر عن الاثنتين رغم ما بينهما من تناقض سياسي نجد أن معجم المفردات هو ذاته، والمقاربات هي ذاتها وكذلك أساليب الأداء! وكأن القناتين ولدتا من رحم واحدة لكنهما أصبحتا توأمين لدودين على طريقة هابيل وقابيل.
وبالرغم من كل ما يوصف به خطاب المعارضات السياسية في الوطن العربي من اختلاف وافتراق عن الخطاب الرسمي، إلا أنهما يلتقيان عند الذهنية ذاتها، مما يجزم بأن المعارضة ما أن تصل إلى السلطة حتى تصبح تلميذاً نجيباً لمن تمردت عليه، وهناك مسرحية شهيرة لألبير كامو بعنوان «العادلون» تناولت هذه الظاهرة.
وما يقال عن أن الغلاة أو الراديكاليين على اختلاف المواقف والأيديولوجيات يلتقون على أرض مشتركة ليس بعيداً عن الحقيقة، لأنهم في الحقيقة ينتجون بعضهم ويحلقون بعيداً عن جاذبية الواقع ويصبح التنافس على كل ما هو تعجيزي وغير واقعي.
إنها حرب المستقيمات المتوازية والتجارب التي انتهت إليها معارضات استطاعت التوصل إلى الحكم خصوصاً في العالم الثالث، تحتاج دراستها إلى علماء نفس واجتماع وليس إلى متخصصين في علم السياسة فقط، فما كان مثالياً وطهرانياً وواعداً بالفردوس سرعان ما يصبح واقعياً دموياً وطريقاً معبداً إلى الجحيم!
المسألة كلها في السياق الحضاري والثقافي الذي يفرز عينات متجانسة فكرياً وإن اختلفت سياسياً!