قضايا ودراسات

إعمار الفضاء للجميع

مفتاح شعيب
عندما اندلع السباق الأمريكي السوفييتي على الفضاء في أواخر خمسينيات القرن الماضي، تساءل البعض عما إذا كانت الأرض قد ضاقت على الروس والأمريكيين فانطلقوا إلى السماء، وبعد تجارب متعددة ومئات الرحلات وما تخللها من مواجهات ضمن «حرب النجوم» التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي، يستمر السباق دون سقف بين القوتين العظميين وغيرهما من القوى ذات الطموحات المشروعة في إعمار الفضاء.
من موسكو أكد القائد العام للقوات الجوية الفضائية الروسية، الفريق أول فيكتور بونداريف، أن روسيا ستحافظ على مكانتها الريادية في قطاع الفضاء، وفي واشنطن ذكرت صحيفة «ذا هيل» الأمريكية أن القلق بدأ يسود الأوساط السياسية في الولايات المتحدة من تأخر بلادهم عن منافسيها وفي الصدارة منهم روسيا والصين، في الوقت الذي تتوالى التقارير عن مشاريع بمئات المليارات من الدولارات لغزو الفضاء واستكشاف المزيد من أغوار السماوات المفتوحة، وهي مغامرات مشروعة لكل الدول التي تأنس في نفسها الكفاءة والقدرة، ولن يقتصر هذا الأمر، في السنوات المقبلة، على القوى المعروفة. فدولة الإمارات العربية المتحدة، واحدة من الدول التي انخرطت في الرهان على حضور كبير في الفضاء وتحقيق منجزات علمية في هذا المجال بالدخول في السباق العلمي العالمي لإيصال البشر إلى الكوكب الأحمر في العقود المقبلة من خلال مشروع «المريخ 2017»، وهو طموح يحقق حلماً إنسانياً قديماً، كما يحقق على الأرض مكانة وقوة ونفوذاً بين القوى الفاعلة.
حين كان السباق في الماضي يقتصر على قوتين أو ثلاث، كانت تلك القوى هي المسيطرة على السياسة الدولية وهي التي تخوض الحروب وتبرم معاهدات السلام. وبمقدار ما للدولة من مصالح وسيطرة في الفضاء، يكون النفوذ بين الأمم والشعوب، وهذه القاعدة تكاد تكون «قانوناً» يضبط العلاقات بين الدول. وبتأثير الانفتاح العلمي والاستثمار الواسع في التكنولوجيا الدقيقة تعددت الأقطاب ضمن اندفاع إنساني بحثاً عن الأفضل وتحقيق الرفاه وتجويد شروط الحياة على الأرض والبحث عن الاستفادة من الكواكب الأخرى بحسب ما يتاح. وهناك من التقارير ما يؤكد أن استثمار البشرية في العلوم واستكشاف ألغاز العالم، سيشغلها عن الصراعات المستجدة وما تجره من حروب تهدد بتدمير الأرض. وإذا احتكم الفاعلون إلى الضمير وقيم الخير والتعايش، سيجدون أن الكون أرحب من المصالح الضيقة، وبإمكان البشرية أن تنعم بكل ما فيه ضمن التنافس الشريف ومن دون اللجوء إلى الاقتتال أو التلويح بالسلاح.
في بعض البيانات الأمريكية والروسية، هناك شعور دائم بأن الطرفين يكيدان لبعضهما، وأحياناً يصل التشنج إلى تبادل التهديد والوعيد، ومثلما فرضية صدام القوتين على الأرض قائمة، تظل كذلك في الفضاء، وبعض المحللين يحذرون من «حرب فضائية» شرسة ستكون أسوأ من كل الحروب وقد تنتهي بتداعيات كارثية على مستقبل العالم. ولذلك هناك نصائح يجب أن تؤخذ في الحسبان بين الدول المختلفة، تتلخص في أن البشر مثلما هم متساوون، وفق القانون الدولي، في الحقوق والواجبات، فمن حقهم العيش بسلام في الأرض والفضاء، وهذا يفترض تنظيم العلاقات الدولية وضبط حدودها في الأجواء المفتوحة، تماماً مثلما هو الحال على الخرائط البرية والبحرية، فبهذا فقط يمكن أن يكون الفضاء آمناً ومفتوحاً للجميع.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى