قضايا ودراسات

إفريقيا والمضي في تعهدات باريس المناخية

وانجيرا ماتاي *
يجب على إفريقيا، التي تعاني بالفعل كثيراً من آثار تغير المناخ، الاستمرار في تعهداتها بموجب اتفاق باريس، بصرف النظر عن التطورات الحالية في هذا الصدد.

سوف يقابَل قرار الرئيس ترامب، سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس لتغير المناخ، بالغضب والفزع وعدم الفهم في القارة الإفريقية.
وهو يأتي في وقت يتكشف فيه الجوع على نطاق واسع في جميع أنحاء شرق إفريقيا، حيث يترك الجفاف والصراع عدداً قياسياً من الناس، يبلغ 26.5 مليون شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء، والماء والمعالجة الطبية. وفي جنوب السودان والصومال، يموتون بالفعل. وفي كينيا أعلنت حكومتنا حالة طوارئ وطنية. وتكافح إثيوبيا موجة جديدة من الجفاف في أعقاب أقوى تغيرات مسجلة.
إن تغيّر المناخ حقيقة واقعة بالنسبة إلينا، ونحن نعيش بالفعل مع تأثيراته. وقد أظهرت دراسة حديثة ل 30 بلداً إفريقياً، أجراها معهد بروكنجز ومقره واشنطن العاصمة، أن ثلثي هذه البلدان تسخن أسرع من بقية دول العالم ككل. ويخبرنا العلم بأن الظواهر المناخية القاسية التي تؤثر على القارة سوف تتفاقم.
وكوْن أكبر دولة ملوِّثة في العالم تدير ظهرها للدول المتأثرة بذلك، فإنه أمر مثير للصدمة. ولكنه أيضاً من أعراض أكبر التحديات في عصرنا، وهو كيفية معالجة التهديدات العالمية للقرن الحادي والعشرين، التي لا تعرف حدوداً. ولعل تغيّر المناخ أوضحُ مثال على ما يُدعى الآن «المخاطر الكارثية العالمية»، المخاطر التي يمكن أن تؤثر على أكثر من 10% من سكان العالم. وهي تنبع من التقدم التكنولوجي والترابط المتبادل بين دول العالم.
وقد وجدت دراسة عالمية حديثة لثماني دول (من بينها جنوب إفريقيا)، أجراها مركز الاستشارات «كوم- ريس» (في لندن)، أن أكثر من ثمانية إلى عشرة أشخاص يعتبرون تغيّر المناخ الآن خطراً كارثياً، ما يضعه جنباً إلى جنب مع الحرب وأسلحة التدمير الشامل، كتهديد خطر للبشرية.
فأين نتجه الآن، إذن؟ في ما يتعلق باتفاق باريس، تقف بقية دول العالم موقف التحدي: بالولايات المتحدة أو بدونها، سوف تستمر الدول في تنفيذ تعهداتها لخفض انبعاثات الكربون، والسعي إلى مصادر بديلة للطاقة. وقد ألقت دول عظمى مثل الصين، ثاني أكبر ملوِّث في العالم، ثقلها وراء الاتفاق الذي يسعى إلى إبقاء الاحترار العالمي تحت عتبة درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل المرحلة الصناعية.
وكل ذلك طيّب وجيّد. باستثناء أنه بناء على التعهدات الحالية، يتجه العالم نحو ارتفاع في درجة الحرارة بمقدار 3.6 درجة مئوية، ما سيكون كارثياً فعلاً. والحقيقة هي، أن الدعوة الكاسحة الواردة في أطر الإدارة العالمية مثل اتفاق باريس، أو أهداف التنمية المستدامة، التي جرى الاتفاق عليها أيضاً عام 2015، يجب أن تقابلها إجراءات محلية فعالة، إذا كان لها أن تنجح، في إفريقيا كما في غيرها.
لنأخذْ الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، على سبيل المثال، وهو الذي يُبشر بالطاقة الحديثة والمتجددة وبأسعار معقولة ومستدامة للجميع بحلول عام 2030. وضعت كينيا هدفاً طموحاً لتحقيق 95% من توفير الكهرباء بحلول عام 2021، والعملية تتقدم سريعاً. وتفيد لجنة تنظيم الطاقة الكينية، بأن 1.3 مليون عميل تمت إضافتهم إلى الشبكة في عام 2016، ما يجعل قاعدة عملائها تصل إلى 5.4 مليون عميل، بينما ستتم إضافة 1.5 مليون عميل هذا العام. وهذا إنجاز مثير للإعجاب، سوف يسمح لألوف الأسر بإضاءة لياليها، ويحوّل حياتها اليومية بطرق يصعب تصوّرها. ولكنّ ذلك لن يتحقق إلاّ إذا كانت الأسر قادرة عليه، وكانت إمدادات الكهرباء يمكن الاعتماد عليها. وإذا كان لهذا الهدف أن يتحقق، فيجب أن تصبح استثمارات وطنية كبيرة في مجال الطاقة الشمسية جزءاً من المعادلة، وكذلك الطموحات إلى الكهرباء الحرارية الأرضية، والآفاق المستقبلية للغاز الطبيعي.
لقد حظي اتفاق باريس بالاعتراف به كمثال على شكل أشمل للإدارة العالمية، يتضمن تعهدات من المدن والشركات والكيانات الحيوية الأخرى. ولكنه لا يتحرك بالمدى والسرعة الكافيين. وقد أصبح من الواضح بشكل متزايد، أن النظام الحالي في صنع القرار العالمي، يحتاج إلى هزة توقظه.
* رئيسة مؤسسة وانجاري ماتاي (كينيا) موقع: «أوُل أفريكا»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى