اتفاقية المناخ قيد التنفيذ
زيدون فلاح*
بعد أقل من 10 أيام من الآن ستحتضن مدينة بون الألمانية فعاليات مؤتمر المناخ العالمي Cop23، الذي تنظمه الأمم المتحدة في الفترة الممتدة من 7 إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
تم اختيار جمهورية فيجي في مؤتمر مراكش cop22 لرئاسة المؤتمر المقبل؛ لما لذلك من رمزية ودلالة خاصة، كونها من الدول الجزرية المهددة بالغرق، كي يضاف زخم أكبر وصرامة أشد في مواجهة التغير المناخي، وتكمن أهمية هذا المؤتمر في وضع التفاصيل اللازمة لتنفيذ بنود «اتفاقية باريس»، التي وقعت في ديسمبر/كانون الأول 2015 في العاصمة الفرنسية باريس، فضلاً عن ذلك سيقوم ممثلون عن السياسة والمجتمع المدني باستعراض مبادراتهم ومشاريعهم من أجل حماية المناخ.
إن نظرة العالم ل«اتفاقية باريس» كانت نظرة متفائلة مستبشرة؛ لأن قادة العالم تجاوزوا الخلافات، وتمكنوا من التوصل إلى اتفاق عالمي وقع عليه ممثلو 195 دولة، وكانت بنود «اتفاقية باريس» تتسم بعدالة مناخية، وأمن غذائي، ومراعاة لمصالح الجميع، فضلاً عن تخصيص نحو نصف تريليون دولار؛ لمحاربة التغير المناخي حتى عام 2020؛ لكن تلك النظرة الطموحة ما لبثت أن تلقت صفعة مؤلمة تمثلت بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحاب بلاده من الاتفاقية. وتعد الولايات المتحدة ثاني أكبر بلد باعث للكربون بعد الصين.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من «اتفاقية باريس»، والظواهر البيئية المتطرفة تتوالى تباعاً على مختلف الولايات الأمريكية مخلفة وراءها دماراً وخراباً كبيراً قُدِرت أضراره بأكثر من 290 مليار دولار أمريكي بحسب «شركة اكيوويذر» الخاصة بالأرصاد الجوية، وعلى ما يبدو فإن امتحان المناخ للولايات المتحدة قد أحبط عزيمة ترامب، وجعله يعيد التفكير في قضية الانسحاب من «اتفاقية باريس»، وقد لا تعدو الأمور عن كونها مجرد تكهنات إلا أن التناقض الحاصل بين تصريحات ممثلين أمريكيين من جهة ومتحدثين باسم الرئيس ترامب من جهة أخرى، تفتح الباب واسعاً أمام إمكانية عدم اكتمال الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية.
وربما تكون الظواهر المناخية المتطرفة التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الكاريبي مؤخراً متمثلة بإعصاري «إيرما» و«هارفي» وحرائق كاليفورنيا، قد أوضحت للرئيس ترامب بشكل ملموس حقيقة التغير المناخي وكارثة تداعياته، التي سترتفع بشكل أسرع، وخطرها سيكون أكبر إذا لم تتكاتف الأيدي والجهود لحماية كوكب الأرض.
مما لاشك فيه أن الانسحاب الأمريكي من «اتفاقية باريس» قد خيب آمال العالم أجمع، ولا سيما آمال الشعوب الفقيرة وشعوب الدول الجزرية المهددة بالغرق؛ لكن بعض المواقف العالمية قد ضمدت جراحهم، وكانت كأنها مشاعر مواساة لمصابهم، فقد دانت أغلب دول العالم الموقف الأمريكي من الاتفاقية، وأعربت فرنسا وإيطاليا وألمانيا في يوليو/تموز 2017 عن أسفها لقرار الرئيس الأمريكي، ورفضت اقتراحه بشأن إمكانية مراجعة الاتفاقية العالمية. وقال زعماء الدول الثلاث في بيان مشترك نادر «إن الزخم العالمي الذي تولد في باريس في ديسمبر/كانون الأول 2015 لا رجعة فيه»، وناشدوا حلفاءهم بتسريع الجهود؛ لمكافحة تغير المناخ، وتعهدوا ببذل المزيد؛ لمساعدة الدول النامية على التكيّف، وكذلك الحال بالنسبة للموقف الصيني والهندي والروسي، فقد أعربت هذه الدول الثلاث عن الالتزام ببنود «اتفاقية باريس» ومواصلة العمل، وتكثيف الجهود؛ لمحاربة التغير المناخي.
وفي «مؤتمر بون» المقبل سيتم عرض المبادرات والمشاريع الدولية الرامية باتجاه تنفيذ «اتفاقية باريس» والالتزام بالتوقيت، الذي وضعته الاتفاقية، فلا مجال اليوم لأشباه القرارات أو أنصاف الحلول، إنما يتطلب الأمر جدية والتزاماً لحماية كوكب الأرض ومستقبل الحياة عليه.
* صحفي وناشط بيئي