مقالات عامة

احتياطي المناعة القومية

خيري منصور

إذا صح أن المستقبل حسب تعريفه العلمي بعيداً عن قراءة الطوالع والتنبؤات هو حاصل جمع ممكنات الحاضر، فإن الوطن العربي بكل ما يعج به باطنه من ثروات وما يمتاز به سطحه من مواقع استراتيجية، يتجاوز كل التوصيفات المتداولة، وحين يشغل أكثر من ثلث مليار عربي مساحة جغرافية تمتد على قارتين، والنسبة العظمى منه تنتمي إلى فئة الشباب، فإن المستقبل يقبل عدة قراءات غير هذه القراءة العوراء التي تعبر عن سوداوية ويأس ليس لهما أي سند واقعي أو تاريخي.
وحين يكون التجانس لدى أمة ما على هذا النحو الاستثنائي الذي يشمل الذاكرة واللغة والحلم فإن التكامل هو القدر الذي لا فرار منه، ونقيضه هو التآكل الذي يتصور البعض أنه سيستمر إلى الأبد!
ومن يقرأ التاريخ لأهداف تتخطى التسلية والسرد الأفقي ومنه تاريخنا العربي قد يعيد النظر بالكثير مما يجري تسويقه من النعيق.
ويخطئ من يظن أن ما نعيشه الآن غير مسبوق، فقد مرّ العرب عبر تاريخهم المديد بفترات نهوض وغروب وبمد وجزر، وانتصارات خالدة وهزائم عابرة. وهذا ليس من قبيل التفكير الرغائبي أو التفاؤل الساذج، فالشجرة حين تسقط قد تنهض من بذورها حديقة، والمهود أكثر عدداً من التوابيت، لهذا يتضاعف عدد البشر وبعكس ذلك الانقراض المحتم!
والمطلوب بإلحاح إنساني وقومي من كل الذين يتصيدون لهذا الوطن على اختلاف المقاربات سواء كانت تربوية أو سياسية أو ثقافية أن يتعاملوا مع الممكنات الهاجعة في هذا الواقع وفي الإنسان أيضاً.
وقد سبق للعديد من المفكرين ورواد التنوير العرب أن حذرونا من تصديق ما يشاع عنا، خصوصاً من الاستشراق وفلوله وبقايا وكلائه في عالمنا، ولا يمكن للنخب أن يقتصر دورها على العويل والتنقل بين المآتم؛ لأنها الاحتياطي الذي يستدعى لتعزيز المناعة القومية والدفاع عن ما تبقى!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى