قضايا ودراسات

اختبارات الدولة الوطنية

ليست هزات عام 2011 هي الاختبار الأول الذي مرت به الدولة الوطنية، أو القُطرية، في العالم العربي، فهي قد مرت باختبارات صعبة قبل ذلك، بينها الحرب الأهلية المدمرة في لبنان بين السبعينات والثمانينات، وبينها انهيار الدولة كلية في الصومال، وبينها الحرب الأهلية اليمنية بين الشمال والجنوب في التسعينات، وبينها تقسيم السودان إلى دولتين، وبينها تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي استهدف، فيما استهدف، تدمير مؤسسات الدولة وحل الجيش، وغير ذلك من اختبارات وتحديات.

لكن ما جرى في العام 2011 كان الاختبار الأصعب لشموليته واتساع نطاقه، حيث غطى بلداناً عربية مختلفة في المشرق والمغرب على حدٍ سواء، وهنا تفاوتت طرق التعاطي مع هذا الاختبار بين دولة وأخرى، أملتها من جهة خصائص التطور الاجتماعي والسياسي الخاص بكل بلد، ومدى قوة أو هشاشة المجتمع المدني، وأيضاً مدى نفوذ وخبرة ما يطلق عليه بالدولة العميقة والبيروقراطية المرتبطة بها من جهة أخرى.
وفي هذا السياق يمكن الحديث عن تعدد في السيناريوهات التي تطورت بها الأوضاع، فالسيناريو التونسي ليس هو نفسه السيناريو الذي جرى في مصر، والسيناريو المغربي هو غيره في ليبيا، حيث تشابه ما جرى في الأخيرة مع ما جرى في سوريا، حيث انزلقت الأمور إلى العسكرة والحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، حتى في صورها العسكرية، ومن ذلك أن نظام معمر القذافي ما كان سيسقط بالسهولة التي تمت لولا التدخل العسكري المباشر لحلف الناتو.
محاولات تكرار ذلك أخفقت في سوريا، وما يجري الآن هناك يدل على أن ملف التدخلات العسكرية الخارجية لإسقاط نظام الحكم قد أغلق أو على وشك أن يغلق، والمؤكد أنه كان للموقف الروسي بالذات دور حاسم في ذلك، حين كرّر بوتين ووزير خارجيته لافروف أن روسيا لن تسمح بتكرار ما جرى في العراق وليبيا.
يضاف إلى ذلك أن الرهانات الغربية على الإسلام السياسي، وعلى تنظيم الإخوان المسلمين تحديداً، كبديل للأنظمة القائمة أصيبت بضربة قاصمة بعد ما جرى في مصر في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، ما فرض تعديلات أو مراجعات على خطط الدول الغربية، والولايات المتحدة بدرجة أساسية، سواء في المرحلة الأخيرة من ولاية باراك أوباما، أو خاصة مع مجيء دونالد ترامب رئيساً.
ما هو ملحّ اليوم بالنسبة للدولة الوطنية العربية استخلاص العظة الضرورية من الاختبارات التي جرت، ومعالجة الأسباب العميقة التي أدت إليها معالجة جذرية، تحمي الكيانات الوطنية ومجتمعاتها من مخاطر التفتيت والانهيار، عبر إشاعة المشاركة السياسية الفعالة للشعوب، وتحقيق تطلعاتها وآمالها في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم، والاطمئنان إلى مستقبلها ومستقبل أجيالها القادمة.
د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى