اعتقال ذاتي!
عبدالعزيز اليوسف
وأنت حبيس قلبك فبإمكانك أن تكره لكن لا تتحدث عن الحب، وبإمكانك أن تحقد، تحسد لكن لا تتكلم عن النقاء والصفاء، وبإمكانك أن تخلف وعدك لكن لا تتحدث عن الوفاء، وبإمكانك أن تخون لكن لا تتفلسف عن الأمانة.
وأنت سجين ذاتك، فبإمكانك أن تضخّمها، تتكبر كما ترغب لكن لا تأتي على ذكر التواضع، وبإمكانك أن ترتفع، تحلق بها بعيدا، لكن لا تذكر أنك عاقل.
وأنت أسير فكرك، فبإمكانك أن تفكر بما تشاء وقتما تشاء بأي دلالة تشاء، لكن ما دمت على غير حق فلا تقفز على عقول الآخرين بلا هدى، ولا مرجع.
أنت مرهون بما تكسب، فبإمكانك ألا تتبع الحق لكن لا تصفه بأنه باطل، وبإمكانك أن تتجاهل الصحيح لكن لا تنعته بأنه خطأ، وبإمكانك أن تكذب لكن لا تقل إنه صدق.
هكذا نحن حين نضع بعضنا على بعض الشر، ويضع الشر بعضه علينا، متناقضون حتى النهاية، هكذا نحن نسوق أنفسنا نحو الشتات، فالرؤى ضيقة، والاعتباط متلبس.
حين يجادلك بعضهم تجد أن جهله يسبقه، وظنه يتلفه، وعقله يسقطه، عنده لا فرق بين الحق والباطل، ولا بين الحجة والأحجية، ولا بين الفهم والوهم، يركض خلف ذاته لاهثا، لا يبصر الأشياء على حقيقتها، تنزعه نفسه من حالة الرؤية إلى حالة العمى، تقول قال الله تعالى، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.. يقول: قال شكسبير، ونيتشة، وسارت، وجاك روسو، تروي له قصة حكمة، وحكمة قصة، يروي لك قصصا هواه.
بعضهم يهزم ذاته قبل أن يدخل أي معركة فهو طويل الجهل بقناعة خيبة، وهو قصير الفقه بشناعة عيبه، يقول: أنا المتأمل وفي حقيقته هو المتألم، ويردد: أنا الثري وفي ماهيته هو الثرثار.
بعضهم قصير الوعي، يقول: أنا المتأمل وفي حقيقته هو المتألم، ويردد: أنا الثري وفي ماهيته هو الثرثار، بعضهم مهتز في رأيه متقلب في خياراته، ومقلوب على رأسه، لا يفرّق بين الرأس والقدم، ولا بين الضاد والظاء. بعضهم مقيّد بقناعته الغريبة والمفككة، تنصحه بأنك لست مضطرا أن تذم من تكره لكي تمدح من تحب، ولست مجبورا أن تجلد مجتمعك لأنك منبهر بمجتمع آخر، ولست محتاجا أن تنتقص ممن حولك هنا لكي ترفع قيمة من هناك، وليس مطلوبا أن تنتقص قومك لكي تثبت فكرتك. وتأكد أن اللوث يحجب البصيرة، ويعطبان البصر، وأن لاعدل مع مائل، ولاحق مع باطل، ولا فهم مع جاهل.
ويبقى القول: العقول المستلبة هي من تفكر بعقلية غيرها فتقاد بتبعية، وتتبنى خلاصة نتائجها فتساق بسهولة. وحين يفلس أحدهم تجده يبادر بالكوميديا السوداء ليكون هو بطلها الأوحد وليضحك أكبر قدر ممكن من الجهلة حوله. أو يستدعي حكاية من التاريخ النائم ليثير النقع وهو فتّان، ويفتن بالإثارة، وتجده يتهكم على المقدس المأثور، والأثر المقدس، أو يقدم مجتمعه ووطنه للآخرين في أشنع صورة.
* نقلا عن “الرياض”